Page 92 - ميريت الثقافية رقم (34)- أكتوبر 2021
P. 92

‫العـدد ‪34‬‬                            ‫‪90‬‬

                                                                ‫أكتوبر ‪٢٠٢1‬‬

‫عثمان الشيخ‬

‫(السودان)‬

‫قاتل في الخامسة والعشرين‬

      ‫كتب ُت عمره والذي يبلغ الخامسة والعشرين‪.‬‬         ‫(أنا لست كالعالم التقليدي‪ ،‬لدي جنوني‪،‬‬
    ‫حاولت إبراز بعض تفاصيله‪ ،‬فهو طويل قلي ًل‪،‬‬          ‫وأعيش في بعد آخر وليس لدي الوقت للأشياء التي‬
                                                       ‫بلا روح)‬
 ‫ومتوسط الذكاء‪ .‬دقيق الملامح وذو بشرة سمراء‪.‬‬
     ‫له أنف حا ّد وعينين وسيمتين‪َ ،‬غمازة في خده‬                                    ‫تشارلز بوكوفسكي‬
      ‫الأيسر وشارب ناعم ولحية حديثة بها سبع‬
                                                                        ‫(‪)1‬‬
              ‫شعرات متناثرة كتناثر هذه النجوم‪.‬‬
                                                            ‫استيقظت بالأمس عطشان‪ ،‬في منتصف الليل‪.‬‬
‫ثم جعل ُت له حبيبه جميلة كانت زميلته التي تدرس‬          ‫بنصف عين مفتوحة وجسد ُمثقل بالتعب‪ .‬تناولت‬
                ‫في المستوى الأدنى منه بالجامعة‪.‬‬        ‫كوب ماء بارد‪ ،‬وأمسكت بهاتفي وشرعت بالكتابة‪.‬‬
                                                       ‫الساعة تجاوزت الثانية صبا ًحا بقليل حسب قراءتي‬
 ‫عاطل عن العمل ويد ّخن بشراهة‪ ،‬يس ُب الجميع إلا‬        ‫من الشاشة‪ .‬الكون صامت وكأ ّن لا أحد به‪ ،‬السماء‬
   ‫أمه وحبيبته فالأولى تعطيه النقود وتعطف عليه‪،‬‬
       ‫والثانية يقابلها كل فترة فتمنحه أم ًل بعي ًدا‪.‬‬       ‫منتشرة كثوب أزرق عملاق يغطي ُقبة الكون‪،‬‬
   ‫لا يص ّل ولا أهداف له في هذه الحياة ولا يكترث‬          ‫والنجوم تتحر ُك وامض ًة هنا وهناك‪ ،‬كأطفال في‬
                                                       ‫صباح العيد‪ .‬شرعت في كتابة قصة قصيرة تحدي ًدا‪.‬‬
   ‫لشيء‪َ ،‬يقرأ كتبًا إنجليزية قديمة‪ ،‬ولديه ميولاته‬       ‫كتبت السطر الأول والثاني والثالث وهكذا‪ ..‬حتى‬
       ‫الخاصة بالسياسة ويرى في نفسه مناض ًل‬
                                                             ‫قفز النوم من عين َّي وتدحرج في الفراغ‪َ .‬بدأت‬
                                       ‫جسو ًرا‪.‬‬          ‫أحداث القصة تتناسل شئيًا فشيئًا‪ ،‬تتسع كالقمر‬
 ‫أثناء كتابة القصة كانت أصوات الضفادع المُنتشية‬        ‫العالق في قبة السماء‪ ،‬والذي بدأ صغي ًرا عند مغرب‬
                                                          ‫الشمس وهو الآن َيحت ُل منتصف السماء مضيئًا‬
   ‫وطنين البعوض الجائع لدماء البشر‪ ،‬وهلاويس‬
                                                                                              ‫وجمي ًل‪.‬‬
‫الشخص الذي ينام بالقرب مني وشخيره المتواصل‬
                                                                        ‫(‪)2‬‬
                       ‫ُتشاركني في كتابة القصة‪.‬‬
  ‫أغالب هذه الأصوات بالت ّركيز أكثر مع تفاصيلها‪.‬‬           ‫َبدأت شخصيّة بطل القصة تتش ّكل وتنمو شيئًا‬
                                                       ‫فشيئًا كدائر ِة الشك بداخلي؛ نحو هذا الكون الهائل‪.‬‬
   ‫حيث بدأت اتض ّجر من بطلها وتص ّرفاته والذي‬
 ‫حاولت جاه ًدا جعله شخ ًصا صال ًحا؛ لكن دو ًما ما‬
 ‫تواجهني عدميته المفرطة‪ ،‬وصراخه الدائم ودخان‬

         ‫سجائره الكثيف‪ ،‬و َسخطه على كل شيء‪.‬‬
      ‫تركت الهاتف وانغمست في نومي من جديد‪.‬‬
   87   88   89   90   91   92   93   94   95   96   97