Page 94 - ميريت الثقافية رقم (34)- أكتوبر 2021
P. 94
العـدد 34 92
أكتوبر ٢٠٢1
منى سالم
كرسي مفضل
في باريس لأتطلع إلى تلك الفرنسية النحيفة وأتعاهد مع أجلس على كرسيي المفضل في قطعة مهجورة من حديقتي،
نفسي بألا أكثر من الحلوى ،وربما قد يصل رماد أنفي لم أقاوم كثي ًرا ،فلقد أوشت لي بعض الغدد الصماء أن
أي ًضا أمام أحد محلات العطور الفرنسية لأمتلئ بالروائح جسدي قد مل من اعتلاله بالتهاب المفاصل وهو يريد
الزكية ،فباريس طماعة تتوق للمزيد من رمادي ،ورماد الانطلاق ،وقد أصابه الحزن لحرمانه من السكر ،أكاد
عاشفتص َّيفةفتيطلانيدرانتوهذريا تترترعمدادمنشافلتب َّريدبالحثقًاارعنس،موكاكلنمادافهيبء،ت
لربما وجدت مكانها بين شفت ْي شا ٍّب جزائر ٍّي طالما اشتقت أزعم أن الحفلات اليومية التي كانت تقيمها روحي احتفا ًل
للقائه ،وربما يذهب رماد قلبي إلى الغابات المحترقة ،فهذا بنجاحها في تدريبات الصعود من وإلى السماء كانت
قد يمنح السكينة للحيوانات المذعورة ،والأشجار المحترقة
ستجد بجوار رمادها رماد قلب بشري ،ولربما اختلط السبب في انفجار بنكرياسي ،ولا أخفي أنها كانت تسرف
رمادنا سو ًّيا ،فكم أحب خشب الأشجار ورائحتها ،ولكن في احتفالاتها العامرة بقطع الحلوى وكيكة البرتقال
ربما قد أثار قلبي البشري حفيظتهم واعتبروه دخي ًل،
عد ًّوا كالبشر وسببًا في اختلال النظام البيئي ،أو ربما أثار وكوكيز الشيكولاتة ،آه من الكوكيز المنتشر على سطحها
حفيظتهم أن كرسيي المفضل قد ان ُتزع خشبه عنوة من تلك الملعونات الصغيرات من الشيكولاتة متناهية الصغر
شجرتهم الأم ،أبسبب حبي لخشب الأشجار قد أصبح
كرسيي المفضل هو كرسيي المفضل؟ ولهذا مت عليه وأنا والتي تحرضك بمكر شديد على استحالة قدرتها نظ ًرا
-لضعف حجمها -على زيادة حجمك ،وتصدقها ،ولكنها لم
في السبعين من عمري في جزء مهجور من حديقتي.
... تخبرك قط أنها ستتحد وتتكتل وتصنع جب ًل عملا ًقا من
الشيكولاتة بداخلك ،هذا الجبل الذي يحسن اختيار أماكن
لما لم يحرقوا جسدي كما أوصيتهم؟! لما لم يحرقوا
جسدي كما أوصيتهم؟ أها ،لقد تذكرت الآن ،ربما استقراره فيحل ضي ًفا في أردافك ،مسكينة تلك الأرداف
لم يعثروا على وصيتي الأخيرة وعثروا على وصيتنا فقد أصابتها الكدمات وهم يحاولون إخراجي من كرسيي
المشتركة ،فلقد أوصينا بالتبرع بأعضائي لإنقاذ أكبر عدد المفضل في الجزء المهجور من حديقتي وأنا في السبعين من
ممكن من البشر وأخذنا نتبادل أنا وروحي الأسئلة.
ُترى هل قلبي الآن في جسد شاب تاق كل يوم في حياته عمري.
للحب ولكن ضعف عضلة قلبه كان يخذله؟ هل يستطيع ...
الآن طفل في العاشرة من عمره أن يتبول بكل سهولة
بسبب وجود كليتي في ظهره؟ هل ُينقي كبدي سموم إن هذه الكدمات لا تزال تؤلمني ،حلت روحي الآن
مشروبات كحولية استقرت في كبد رجل احببته كثي ًرا ووصلت كالمعتاد بحفلاتها الصاخبة ،بمجرد أن تفرغ من
في شبابي كان يهرب من روعة ولوعة قلبه ويسرف في اندماجها مع جسدي سأشكو لها تألمي من تلك الكدمات،
الكحول ،ترى لو وضع يده الآن على جنبه الأيمن سيشعر
بي؟ هل ما زال مستا ًء مني لأني شكوته للصحراء وسأحذرها من حفلاتها الصاخبة فلم نعد بمفردنا،
فابتلعت روحه وضاع تي ًها بها؟ ُترى هل رفض كبدي وسأخبرها أننا لا بد أن نبحث هنا عن أبي لأنني أفتقده
كثي ًرا ج ًّدا ،لم أره منذ زمن بعيد وأريد أن يكون أول
المستقبلين لي ،وأريد أن أبحث عن نطفتي التي فقدتها يو ًما
لربما كبرت الآن ،ولكن حفلة روحي الصاخبة تلك المرة لم
تعكس مرحها المعتاد وإنما أظهرت ثورة وأخبرتني أنهم
لم يستجيبوا لوصيتي ،ولم يحرقوا جسدي كما أوصيت
حتى ينثروا رمادي في كل أنحاء الكون ،فأستيقظ لأجد
أذن َّي في مدريد لأسمع صوت التقاء حضارات الشرق
والغرب ،وأجد رماد عين َّي في فيينا ،لا لا ..أنا أحتاج عين َّي