Page 98 - ميريت الثقافية رقم (34)- أكتوبر 2021
P. 98

‫العـدد ‪34‬‬        ‫‪96‬‬

                                                          ‫أكتوبر ‪٢٠٢1‬‬  ‫د‪.‬أماني فؤاد‬

‫الفردانية في مواجهة النسق الجمعي‬
           ‫في مجموعة «دفاتر عائلية»‬

                                         ‫آذانها‪.‬‬           ‫يحدث أن تقرأ إحدى القصص؛ فتدفعك إلى أن‬
‫يرى جميع من في محيط شخصية ال َق ِّص أنها تمتلك‬
 ‫صو ًتا رائ ًعا‪ ،‬صاحب الدكان وصديقتها‪ ،‬كما يقول‬           ‫تكتب قصة أخرى لو أنك قا ٌّص‪ ،‬و ُتسائل ذاتك‪ :‬لماذا‬
                                                            ‫ي َظل َن ٌّص بعينه عال ًقا بذهنك‪ ،‬ويدعوك لتجادله أو‬
     ‫لها أستاذ الإتكيت البدين الأصلع أيضا بعتاب‬            ‫تبني فوقه؟ هل أضاء حقيقة استشعرتها ذات َمرة‬
    ‫قا ٍس‪« :‬إنها تفتقد ذلك الإحساس المعتد بالذات‪،‬‬           ‫ولم يبلورها وع ُيك؟ أم أن هذا السرد بعينه َف َّسر‬
                                                              ‫موق ًفا بطريقة أخرى لم تطرأ على خاطرك؟ هل‬
      ‫وترسل صوتها للفضاء‪ ،‬دون دراية بقيمته!»‬
 ‫(ص‪ ،)75‬ترى شخصية ال َق ِّص أن الجميع سجينو‬               ‫بعث النَّص من الذاكرة ح َد ًثا تج َّسد ذات يوم أمامك‬
                                                          ‫فكان ضبابيًّا؟ أم لأن سياقه العام أعاد تجسيد بنية‬
     ‫علب من صفيح خانقة‪ ،‬لكنهم سعداء بألوانها‪،‬‬
                                                                        ‫شخوص عاشوا حولك وأ َّثروا فيك؟‬
    ‫مقولاتهم علب جاهزة لا تريدها‪ ،‬وتراها قبو ًرا‪،‬‬                  ‫في َن ِّص «كائنات معلبة» ‪-‬ضمن المجموعة‬
   ‫حيث يطغى طعم الصدأ في ح ْل ِقها‪ .‬فمهما اتسعت‬               ‫القصصية الأولى للدكتورة‪ :‬إشراق سامي‪ ،‬من‬
                                                               ‫العراق‪ ،‬بعنوان «دفاتر عائلية»‪ ،‬والتي صدرت‬
      ‫العلب وتلونت؛ تظل أُ ُط ًرا يصعب القفز منها‪.‬‬           ‫الشهر الماضي عن دار ميريت للنشر ‪-)1(2021‬‬
‫تقول‪« :‬لم يعلِّمها أحد الغناء‪ ،‬فهو غير مباح في هذه‬         ‫استشعر ُت رغبة في كتابة قصة استدعتها «كائنات‬
                                                           ‫معلبة»‪َ ،‬ن ٌّص لا يشبهها‪ ،‬لكنه يتماس معها بطريقة‬
   ‫الصحراء الشاسعة المسماة بلاد! تعلمت فقط أن‬
                                                                         ‫ما‪ ،‬أو ربما يخرج من ذات الروح‪.‬‬
  ‫تبكي‪ ،‬هكذا صارت أنغامها الحزينة موحية ب َت َرف‬          ‫تتكرر العلب أو الصناديق في َن ِّص «كائنات معلبة»‪،‬‬
 ‫الفن ربما‪ ،‬لكنها تريد الوقت ُح ًّرا وجريئًا وفتيًّا‪ ،‬لا‬   ‫وتعيد إنتاج دلالات متعددة ووجودية‪ ،‬فالعلب تعد‬
  ‫يمل من الدهشة‪ ،‬حزينة هي منذ تلك اللحظة التي‬              ‫محور البنية الدالة في القصة‪ ،‬العلب التي تشتريها‬
‫أعلن فيها ال ُك ْر ُه احتلاله أرضها‪ ،‬أفاقت من صدمتها‬
‫بعطش شديد للبكاء أو الجنون أو العشق‪ ،‬أرادت أن‬               ‫الساردة من الدكان الكائن أمام بيتها‪ ،‬العلب التي‬
                                                                ‫تأتيها في أحلامها‪ ،‬حيث يع ُّدها مجموعة ممن‬
 ‫تسير فقط بصحبة اللاهدف أو اللاجدوى‪ ،‬لم تقع‬                    ‫تعرفهم بأشكال ملونة ويعتنون بها‪ ،‬العلب أو‬

 ‫يو ًما في غواية الصناديق التي يحنِّط الآ َخرون فيها‬        ‫الصناديق الخانقة التي تتجسد لديهم في مقولات‬
                             ‫أعمارهم» (ص‪.)76‬‬                ‫المجد والشهرة وتحقيق الذات التي يكررونها على‬

‫ولعلنا نتساءل‪ :‬متى تنقطع الآمال ويموت المستقبل‬

      ‫هكذا بداخل الإنسان؟ متى تختنق رغباته في‬

 ‫التحقق والنجاح؟ متى ُنصاب بالقنوط ونشعر بلا‬
   93   94   95   96   97   98   99   100   101   102   103