Page 99 - ميريت الثقافية رقم (34)- أكتوبر 2021
P. 99
نون النسوة 9 7 جدوى كل المقولات؟ تتعدد الأسباب ،لكن الكراهية
والحروب والدمار هي المسببات المحبطة في هذا
حيث استلمت البطلة الغريبة عن بلدها رسالة
عن طريق البواب ،تقول إحداهن لها« :أنا جارتكم النَّص ،لعلنا نلحظ أي ًضا قولها «المسماة بلاد» ولم
تقل «بلادي».
وأتمنى لو أستطيع مقابلتك ،أن ِت تحملين بعض
ذاكرتي» (ص ،)32ذهبت توقعات بطلة السرد أزمنه عدمية ..بلا أثر
لجارتيها الفرنسية والهندية مباشرة ،الأقرب لمحل
إقامتها ،لكن بمراقبة الأمر؛ اكتشفت أنه لا توا ُص َل ربما بدا الزمن المحكي عنه -في ُج ِّل قصص هذه
حقيقيًّا بينهما ،انقطاع في اللغة والثقافة والعادات، المجموعة -على مستويين ،زمن الماضي الذي
وتأتي المفارقة في أن الرسالة من امرأة من نفس انقضى بكل حنينه وذكرياته ،وزمن اختناق
بلدها لم تلحظها من ق ْبل ،هو الوطن الذي ي َظل
يجذبنا إليه بخيوط حريرية غير مرئية ،مسارب المستقبل وصدأه ،اليأس هو ما يستشعره القارئ
في بعض القصص مثل «كائنات معلبة» ،فالزمن
غير قابلة للانقطاع مهما تباعدت. القادم لن ينتج شيئًا ذا قيمة ،ليس بإمكانه حتى
يقول مارك أوجيه عالم الأنثروبولوجيا« :يحتاج
البشر إلى تمكينهم من النظر في علاقاتهم المشتركة، أن ُيبقي على أطلال؛ ليعود إليها آ َخرون ويشعرون
يحتاج كل إنسان إلى تمكينه من النظر في علاقته بالناستولجيا ،فأزمنة الساردة ووطنها ُتختلق فيها
بالآ َخرين ،أو ببعضهم على الأقل ،لذا يحتاج إلى
تسجيل هذه العلاقة من منظور زمني .ويحتاج مواجهات ُتنتج هد ًما وأنقا ًضا ،فالتاريخ مخيِّب
المعنى الاجتماعي (أو العلاقة) إلى المعنى السياسي، للأمل عندما يفصله تلعثمه عن أن َي َهب معنى أو
(إلى تكوين فكرة عن المستقبل) كي يتطور؛ بمعنى
آ َخر ،يحتاج العنصر الرمزي (فكرة العلاقة) إلى يترك أث ًرا فار ًقا.
في َن ِّص «شبابيك» تقول الساردة« :وأنا غريبة
الغائية»(.)2 بلسان عربي ،أعبر حدود بلدي ،باحثة عن مأوى،
وتن ِّوع القاصة في التعبير عن حركة الزمن؛ تقول وأنتظر اسمي في قوائم اللجوء نحو بلدان باردة ،لا
تعرف طعم البلح الذي ُيصنع منه دمي» (ص.)31
في َن ِّص «كنزة آلاء»« :كنت ألبس ِز َّي المدرسة، هو الوطن والمرجع والأرض ،وجع الساردة التي
وأسير بضفائري نحوها ،قبل أيام فقط ،لم يتغير تبحث عن رائحة الأرض وطعم العسل ،وحرارة
شيء ،فكيف كبرنا سري ًعا؟! (ص ،)15تطوي الزم َن البلح .تبحث عن ُهو َّيتها الحقيقية ،يتشكل السرد
الطفلة ،فت ُم ُّر السنوات وتصبح هوايتها البقاء ُق ْر َب
الشبابيك التي تجعلنا نشعر بمغامرة اللحظات ،التي وكأنها تضيف «المكان» أي ًضا لهذا الضياع.
تجمد ولا يمكن إعادتها ،بمذاق في هذه المجموعة القصصية تطل الأغوار السحيقة
مختلط بين المغامرة والفقد لما
أفلتناه من بين أصابعنا ففقدناه. لبعض حالات المشاعر
البشرية ،حيث يتحسس
ويرمي السرد في قصص السرد -برهافة ،وبشكل
المجموعة ببعض أسئلته عابر ،دون استغراق أو
الوجودية عن ماهية الإنسان، استرسال -مسافة شغف
ونقاط التوتر المحتدمة بحياته،
متى تخاتله السعادة والشغف؟ معينة بين معنى و َّل
خاصة وأن «العراق» الوطن واندثر ،وتص ُّور راهن
العريق هو الحيز المكاني لم يكتمل ،تص ُّور يشمله
للمجموعة ،بكل صفحات تاريخه
الدامية من حروب ونزاعات، الحزن.
كما تتماس قصص المجموعة في قصة «شبابيك» تتب َّدى
تلك المفارقات ،التي تخرج
عن توقعات الساردة تما ًما،