Page 96 - ميريت الثقافية رقم (34)- أكتوبر 2021
P. 96
إبداع ومبدعون العـدد 34 94
قصــة أكتوبر ٢٠٢1
إلهام زيدان
سيجارة
اس ًما ممي ًزا في عملي ،وقد كان ،أكسبتني المهنة الجرأة، ليلة الأمس اتخذت أحد القرارات الحاسمة في حياتي،
والقدرة على اتخاذ القرارات دون الالتفات إلى الوراء، وهو الإقلاع عن التدخين نهائيًّا ،بعدما أشعلت آخر
سيجارة قرب الساعة الثالثة صبا ًحا ،قلت لنفسي أثناء
أعطتني الصحافة على قدر ما أعطيتها فعليًّا.. مراجعة المقال الذى أعددته للنشر بالمجلة التي أترأس
أما التدخين فهو عادة قديمة ،بدأت بـ»الشيشة» مجاملة تحريرها« ..السيجارة الأخيرة» ،بعد فراغي من القراءة
والتعديل دخلت في مرحلة الإعداد للنوم وطقوسه
لإحدى السائحات العربيات ،التي تعرفت عليها بأحد المتضمنة :تناول كوب من الحليب منزوع الدسم ،قرص
مقاهي وسط البلد ،وبعدما توليت رئاسة أحد الأقسام مهدئ ،إغلاق الهاتف ،وغير ذلك من وسائل مكافحة
بالصحيفة ،التي كنت أعمل بها استبدلت بـ»السجائر» أنها أعراض القلق والإرهاق ،الذي زاد مؤخ ًرا .يبدو
يا هلا! فليأ ِت ما يسمونه (المونوبوز) أو سن اليأس..
الشيشة ،ومنها صرت عريقة في عالم التدخين ،دون الآن أو لا يأتي ،فقد عملت أجهزتي بكفاءة ،على مدار ما
التفات للتحذيرات الطبية المستمرة لصديقتي العزيزة. يزيد عن ثلاثين سنة فائتة.
يزيد معدل التدخين بالنسبة إل َّي لي ًل عند الدخول في هل أقدر على تغيير عاداتي؟ هل أنا خائفة من عدم
قدرتي على تفعيل القرار؟ زملائي يطلقون عليَّ المرأة
أجواء الكتابة ،المرتبطة لد َّي ارتبا ًطا شرطيًّا بالقهوة السوبر! للحق لم أتخذ القرار إلا بعد تصاعد إحساسي
والسجائر ،حتى اكتشف أني أحيا ًنا أشعل سيجارة بالإرهاق وشعوري بألم رهيب في صدري في الأيام
الأخيرة .ذهبت على إثره إلى صديقتي الطبيبة .كان
بينما الأخرى مازالت مشتعلة بالمطفأة! كلامها حا ًّدا وجا ًّدا هذه المرة أكثر من المرات السابقة،
ما لي اليوم أراجع تاريخ حياتي؟! يبدو أني مريضة طلب ْت منى عمل صور بالأشعة ،وتحاليل ،ووصفت
لي بعض الأدوية ،ثم ذيلت كلامها بالعبارة :هتموتي
بالفعل ..أم أقترب من الموت.. نفسك بسبب السجاير ..بنتك محتاجة لك!
مازال اليوم في منتصفه بالنسبة ليومي المعتاد ،على هل بنتي تحتاجني .أم أنا من أحتاج إليها الآن؟! لم
أسأل نفسى السؤال من قبل ،منذ انفصلت عن والدها
يميني لفافة الأدوية ،وعلى يساري علبة السجائر في سلام ،إثر تلخيصه للحقيقة في جملة واحدة جامعة:
والولاعة والمطفأة ،وكتب ومجلات مكدسة على المكتب. أن ِت مش بتاعة جواز!!
وصور جميلة لابنتي في مراحل عمرية مختلفة ،وأفكار بقولته وما ترتب عليها ،أراحني من وخز ضمير ،كنت
أحسه أحيا ًنا بسبب تقصيري تجاهه ،وبقيت ابنتي
وفلسفات وتعليمات طبية برأسي ومخاوف .وبينها معي ،ومرت الأيام علينا م ًعا سري ًعا ،البنت على وشك
جمي ًعا أرقد أنا ،في سريري .أشعر أني أتباعد عنها التخرج من الجامعة ،وهي شبه مستقلة أو منعزلة عني،
جمي ًعا .وأن يدي تتراخى في القبض على أي منها. وأنا منشغلة عنها بالعمل الذي حاولت به ملء حياتي.
الألم يخترق صدري من الأمام إلى الخلف .لن أشعل على الجانب الآخر من حياتي العملية كنت بحاجة إلى
سيجارة قبل الإفطار ،فقط نتبادل النظرات ،تغويني التفرغ ،وبذل المزيد من الجهد والوقت ،لأصنع لنفسي
السجائر مثل ن ّداهة في كامل عنفوانها ،أتجاهل رغبتي
في التدخين ،أهرب من جديد إلى الهاتف وتصفح المواقع
الإلكترونية دون تدخين.
تتراءى لي علبة سجائر لا أجرؤ على التخلص منها
ومن توابعها بشكل نهائي ،كل ما أخشاه أن يحل وقت
العمل ،وأبدأ في الكتابة فلا أقوى عليها بدون سيجارة،
أخشى هزيمة لم أعتدها طوال حياتي.