Page 90 - ميريت الثقافية رقم (34)- أكتوبر 2021
P. 90

‫العـدد ‪34‬‬    ‫‪88‬‬

                                                    ‫أكتوبر ‪٢٠٢1‬‬

‫طريقة معتادة استعملها لتقليل التوتر‪ ،‬عدد السلالم‬        ‫وبحيادية مرة‪ ،‬وبخيالات وإضافات وتوابل في‬
 ‫ستة وعشرون بالتمام‪ .‬وضعت يدي على الجرس‪،‬‬             ‫باقي المرات‪ .‬ولكنه بقي بالنسبة لي موضوع جديد‬
‫وانتظرت‪ ..‬لا أحد يجيب‪ ..‬ربما هم نائمون‪ ،‬ولكنها‬        ‫لأفكر فيه يخص «جميلة» بالفعل‪ .‬حين تقابلنا أنا‬

   ‫الساعة الواحدة بعد الظهر! ربما خرجوا لقضاء‬          ‫و»جميلة» بعد ذلك في المدرسة‪ ،‬كانت تتحاشاني‬
‫حاجة لهم؟ طرقت مرة أخرى على الشراعة الزجاج‬             ‫بشدة؛ هي تبتعد عن الكل‪ ،‬وقد تعودنا منها على‬
                                                     ‫تلك الطريقة‪ ،‬ولكنها كانت قد اقتربت منا في الفترة‬
    ‫التي تتوسط الباب‪ ،‬فشاهدت خيا ًل قاد ًما يفتح‬    ‫الأخيرة؛ وخاصة أنا‪ ،‬وبذلك اعتقدنا أنها قد ابتعدت‬
    ‫الباب فاطمأننت‪ .‬فتحت «جميلة» الباب ووضح‬            ‫عن حذرها النسبي في معاملة بعض الأشخاص‪،‬‬
‫من نظرتها أني كنت آخر من تتوقع رؤيته‪ ،‬ولكنها‬            ‫ونحن أولهم بالتأكيد‪ .‬ولكن ها هو ذلك الموقف‬
     ‫تغلبت على طبيعتها‪ ،‬وابتعدت عن فراغ الباب‪،‬‬          ‫يعيدها إلى قواعدها القديمة‪ .‬أدركت حين رأيتها‬
 ‫ودعتني للدخول‪ ،‬وسارت في ممر أمامي‪ ..‬مشيت‬           ‫أنها لا تريد أن تبرر‪ ،‬أو تحكي شيئًا‪ ،‬وكأنها ليست‬
‫وراءها مطأطئة الرأس‪ ،‬وتذكرت كيف كان دخولها‬          ‫مدينة لنا بأية تفسيرات‪ ،‬سنظن أنه حبيبها‪ ،‬فليكن‪..‬‬
  ‫إلى الفصل في أول يوم رأيتها فيه‪ ،‬لم تكن تشعر‬      ‫فلنذهب نحن والعالم للجحيم‪ ،‬فيبدو أنها خاضت ما‬
‫أن المكان مكانها مثلما أشعر أنا الآن‪ ،‬أو ربما أشعر‬
‫أني في المكان الخطأ‪ ،‬وأنني ما كان يجب أن أتواجد‬                              ‫هو أسوأ من ذلك بكثير‪.‬‬
                                                          ‫انقطعت «جميلة» عن الدروس الخاصة معنا‪،‬‬
                                                        ‫فحزنت لذلك‪ .‬كانت قد بدأت في الفترة الأخيرة‬
                                                        ‫في إحراز تقدم في المذاكرة‪ ،‬وقد أصبح المعلمون‬
                                                    ‫يشيدون بذكائها‪ ،‬وقدرتها على التحصيل‪ ،‬والاهتمام‬
                                                      ‫بدروسها‪ ،‬وبالفعل حققت نتائج طيبة‪ .‬ولسبب لا‬
                                                      ‫أعرفه تربى عندي إحساس بالمسئولية تجاهها‪ ،‬لا‬
                                                      ‫أعرف من أين تأ َّتى ذلك الإحساس! ولكنه أصبح‬
                                                    ‫كائنًا بيننا‪ ،‬وأصبح بيننا لغة خاصة‪ ،‬ونظرات نفهم‬
                                                     ‫بها بعضنا‪ .‬لذا فعندما وصلت إل َّي الإشارات أنها لا‬
                                                      ‫تريد أن تتحدث أو تحكي عن الشاب الذي قابلها‪،‬‬
                                                         ‫وسارت معه‪ ،‬احترمت ذلك على الرغم من عدم‬

                                                                   ‫موافقتي عليه‪ ،‬وسكت‪ ،‬وكذلك هي‪.‬‬
                                                        ‫اقترب موعد امتحان آخر العام‪ ،‬وبدأت سهرات‬
                                                        ‫المذاكرة‪ ،‬وتكثيف الدروس‪ ،‬والتفرغ للمراجعات‬
                                                        ‫النهائية‪ ،‬وحل اختبارات السنوات السابقة‪ .‬كان‬
                                                        ‫المعلمون يسألون عن سبب انقطاع «جميلة» عن‬
                                                       ‫حضور الدروس‪ ،‬بعضهم يسأل بشكل روتيني‪،‬‬
                                                       ‫والبعض الآخر يسأل باهتمام شديد‪ ،‬ولذا قررت‬

                                                          ‫أن أذهب للسؤال عنها في منزلها وحدي دون‬
                                                        ‫الصديقات حتى أعفيها من أي نوع من الحرج‪.‬‬

                                                          ‫صعدت إلى الدور الأول حيث شقتها‪ ،‬لم يكن‬
                                                       ‫البواب المزعج موجو ًدا أمام البوابة‪ ،‬فحمدت الله‬
                                                      ‫أن سهل لي المهمة؛ غالبًا ما يقوم بسؤال القادمين‬
                                                      ‫عن وجهتهم‪ ،‬أنا لا يعنيني السؤال‪ ،‬ولكن يربكني‬
                                                    ‫تفحصه‪ .‬ألهيت نفسي أثناء الصعود في عد السلالم‪،‬‬
   85   86   87   88   89   90   91   92   93   94   95