Page 87 - ميريت الثقافية رقم (34)- أكتوبر 2021
P. 87
85 إبداع ومبدعون
قصــة
الحيوانات الأخرى .لا تميز بين وعل وفيل ،ولا الأيائل والقردة والغزلان والحمر الوحشية والفهود
بين دجاجة وسمكة .تفتح فكوكها على مصراعيها والفيلة والزرافات ،وتساكنت مع أقارب الثدييات
وتقضم بتصميم كامل على القتل .التماسيح آلات دون مشاكل ،وابتعدت عنها في أحيان أخرى لهذا
بيولوجية ف َّرامة للحم بكل أنواعه ،ولا يمكنها إلا السبب أو ذاك .لم يكن غريبًا أن ترى تمسا ًحا في
أن تكون كذلك .كانت تقضم الأعشاب فيما مضى،
لكن ما تفعله الآن باللحم يكشف عن تحورات جينية البراري يلاعب حيوا ًنا آخر دون أن يفيض هذا النهم
لا يمكنها أن تقع بشكل طبيعي .لا بد أن التماسيح المستفيض إلى اللحم .الافتراس كان مهجو ًرا ،وكانت
تعرضت تحت المخدر لتعديل في برمجياتها الجينية،
ولا بد أن ذلك تم باقتدار وسرية داخل مختبر تابع الحياة تمارس دورتها بإتقان لا انحراف فيه.
لإحدى الجهات المعادية للطبيعة. -2اللحم يأكل اللحم:
“هل كانت التماسيح مهددة بالانقراض لو لم تتحول
إلى اللحم؟ وما الذي فكر فيه مهندس الجينات الذي لماذا ،إذن ،أكترث لهذه الجثة التي تستفز شهيتي؟
ماذا لو كانت شهيتي أصولية ،ونأيت بنفسي عن
زود التماسيح بالجين الخاص بافتراس اللحوم؟”.
عاشت التماسيح جنبًا إلى جنب مع الديناصورات استعمال هذه الأنياب المخروطية التي تتلاعب
وثعابين الأناكوندا والنمور العملاقة ،ولم يكن لها بتفكيري؟
أي نظام غذائي قائم على التهام اللحميات ،وكان لها
أسنان أخدودية مفلوجة لتكون قادرة على هرس لا بد أن جدي الأول سيفتخر بي بشكل كبير ،لأنني
لم أخن شفرته الجينية ولم أعبث ببرماجياتها،
النباتات فقط. وظللت محاف ًظا على أصالة فصيلتي وحدودها
-4مهارات سمكة المودسكيبر العمياء: الضرورية للتعايش .لم أتغير مثل التماسيح الأخرى
التي استوحشت .أنا أدرك أن اللحم النيء ليس
بصدفة غريبة ،عثر قرب مخبئه على ورق تغليف،
ففكر سري ًعا في الجثة التي تركها كما هي وراءه. عقيدة تمساحية ،وأن غيابه لا يثير أي جنون .لو كان
جدي حيًّا لما كان فخو ًرا بأحفاده الذين يستعملون
لا بد من حجبها بالورق قبل أن يستولي عليها أنيابهم أي ًضا ضد بعضهم البعض دون رحمة من
اللحميون .المياه مليئة بخطوم تبحث يائسة عن جيف أجل اللحم .التماسيح يهمها اللحم فقط ،وليس نوعه
تزدردها .تتصنع الاستحمام لتبريد نوستالجيا أو مصدره أو مذاقه .لا يهمها أن يكون اللحم لحيوان
اللحم ،لكنها تخفي كثي ًرا من الغيظ حين يتضاءل بوبر أو ريش أو زعانف أو حراشف .اللحم مطلب،
طعامها .هذا ما كان يحدث معه هو الآخر .يتربص والافتراس وصول .اللحم يأكل اللحم.
بفريسته عند اقترابها من النهر ،وينقض عليها بكل
-3برمجيات للتحوير الجيني المح ّرم:
شراسة ،ويغوص بها تحت الماء.
بإمكانه الآن أن يغطي الجثة وينصرف بتأنيب أقل، ابتعد خمسة أمتار عن الجثة ،وأولاها ظهره بحذر
ما دام لا يستطيع الاهتمام بها كما ينبغي .تلفت يمينًا شديد« .لماذا لم تخرج التماسيح الأخرى من النهر؟
ويسا ًرا ،قبل أن ينتبه إلى أن صري ًرا حا ًّدا يخرج من هل فقدت فجأة حاسة الشم؟» .خاف أن يكون ثمة
مفاصله ،وأنه يرتجف ويصلصل كدروع سلاحف
مقلب ،فهو يعرف أن للتمساح حاسة شم معقدة
الغالاباغوس العملاقة .عرف أنه خائف ،وأنه ج ًّدا .فبوسعه اشتمام رائحة الفريسة على اليابسة
سيقضي ساعات طويلة أو ربما عدة أيام بعي ًدا عن
النهر وتماسيحه ،وعرف أن بإمكانه أن يحفر نف ًقا أو في الماء من مسافات بعيدة ،وبوسعه اشتمام
عمي ًقا في الرواسب الطينية لينام قلي ًل ،وأن يستمر في رائحة المواد الكيميائية أو الروائح العائمة في الهواء،
التنفس الجلدي خارج أي انتهازية لحمية قد تستيقظ ويستعمل حاسة الشم للإيقاع بفرائسه .لماذا ،إذن،
فجأة في رأسه ..وغاص في الطين قائ ًل« :ها قد حزت تبدو المياه أكثر رصانة؟ وما هذا التأخير غير المبرر
أخي ًرا مهارات سمكة المودسكيبر العمياء». للتجلي الضاري لزملائه؟
فكر في أن التماسيح التي تجوب النهر جيئة وذها ًبا
لا يمكنها ،مع ذلك ،أن تتخلى عن غريزتها العاشقة
للحم .التخلي ُم ْؤ ِل و ُم ْهلِك ،والتماسيح ُخلقت لتفرم