Page 83 - ميريت الثقافية رقم (34)- أكتوبر 2021
P. 83

‫‪81‬‬        ‫إبداع ومبدعون‬

          ‫قصــة‬

‫ال َه ْب َلة»‪ ،‬وزيادة في السخرية‪ ،‬من الممكن أن يطبطبوا‬       ‫فقط يه ُّم أن تلمس شيئًا بالداخل‪َ ،‬ت ُم ُّر به‪ ،‬أو تصنع‬
 ‫عليك و َي ْدعوا لك بالعقل‪« :‬ربنا يهديك‪ ،‬ربنا يهديك‬             ‫تلك الشرارة اللطيفة في الهواء‪ ،‬لا تفكر فيها أكثر‬
‫وير َّجعك لعقلك»‪ ،‬حتى أنهم في هذه اللحظة لا‬                     ‫من لحظة ظهورها وعبورها‪ ،‬وتقول إن مثل هذه‬
‫ُيطالبون‬  ‫يعاملونك على أنك أهبل‪ ،‬وإنما عبيط‪ ،‬وربما‬             ‫التفاصيل الحرة‪ ،‬العا ِبرة‪ُ ،‬تعيد للعالم ثقته بنفسه‪،‬‬
  ‫يحمل‬    ‫ب ِق ْسم جديد في مستشفى الأمراض العقلية‪،‬‬              ‫كأ َّنها قادمة من أ ْل َطف جزء في الكون‪َ ،‬تجيء من‬
                                                                  ‫كتاب خاص عن ال ُحب والصداقة‪ ،‬أو من نوتة‬
‫اسم حالتك‪ ،‬و ُيس ُّمونها‪« :‬متلازمة الرومانسي‬                    ‫موسيقية رومانسية‪ ،‬تعتبرها قص ًصا مزي ًجا من‬
                         ‫الأهبل»‪.‬‬                               ‫حب وصداقة م ًعا‪ ،‬لا تقصد أنها قصص «غرام»‪،‬‬

‫ُد ْن َيتهم؟ ُد ْن َيتهم يا رومانسي؟ تعرف شيئًا عنها؟‬         ‫وإنما «حب»‪ ،‬والحب أكبر بكثير من حروف كلمته‪،‬‬
                         ‫تعيش فيها معهم؟‬                                ‫في الوقت نفسه هو بحجم نظرة عابرة‪.‬‬

‫أم أنك ُتفا ِجئهم وقتها بأنك تعرف ُد ْن َيتهم‪ ،‬تعرفها‬             ‫تقول إن مسارات العالم حولنا مليئة بمثل هذه‬
                ‫أكثر منهم‪ ،‬و ِع َش َتها أكثر منهم؟‬               ‫القصص والابتسامات‪ ،‬طيِّب يا رومانسي‪ ..‬عن‬
‫ما رأيك لو تعطيهم لمْ َحة عن حياتك‪ ،‬لأنهم ربما‬                    ‫نفسي أقول لك إني لا أُما ِنع أن تكون مسارات‬
‫رسموا لك صورة ما بسبب شقتك التي تكشف‬                             ‫العالم حوالينا مليئة بقصص وابتسامات كهذه‪.‬‬
‫البحر‪ ،‬والبيانو‪ ،‬واستما ِع َك للموسيقا وأنت ُتجري‬               ‫لكن‪ ..‬بسبب كلامك عن تلك الابتسامات العابرة‪،‬‬
   ‫العمليات لمريضاتك‪ ،‬و َم ْشي َك حافيًا في ردهات‬               ‫ورأي َك فيها‪ ،‬ستسمع وترى ضحكات استخفاف‬
‫المستشفى‪ ،‬لكن هل هذا كثير أص ًل أو غريب؟ أ ًّيا‬
‫كان‪ ،‬ما رأيك أن تحكي لهم عن أبيك‪ ،‬وأنه كان‬                           ‫وسخرية‪ ،‬يسألونك‪« :‬هل تعيش معنا ِف ْع ًل‬
‫يعمل بائع قماش رجالي ُم َتج ِّول‪ُ ،‬ي َعلِّق على كتفه‬                ‫في دنيتنا؟»‪ ،‬يقولون لك إنك تعيش في خيالك‬
 ‫بقجة مليئة بالقماش‪ ،‬ومعه المتر الخشب الذي‬                    ‫المسكين‪ ،‬وأوهامك ال َعيَّانة‪ ،‬يضحكون‪ ،‬ويتساءلون‬
                                                                ‫باستغراب‪َ :‬م ْن هي‪ ،‬وأين هي‪ ،‬ولماذا هي‪ ،‬وكيف‬
‫َيقيس به‪ ،‬ويتج َّول في ال ُقرى‪ ،‬ينادي على بضاعته‪:‬‬                 ‫هي‪ ،‬ومتى هي‪ ،‬الواحدة التي تبتسم لواحد في‬
  ‫«يااا قمااااش»‪ ،‬وتحكي عن ج ِّدك بائع ال ِعطارة‪،‬‬             ‫الشارع لا تعرفه ولا يعرفها‪ ،‬واحد عا ِبر وابتسامة‬
‫وهو يتج َّول وعلى كتفه صندوق خشب ُم َق َّسم إلى‬                ‫عابرة وقصة عابرة‪« ،‬كلامك غريب يا جدع انت‪..‬‬
‫مربعات صغيرة بها فلفل وكمون و َش َّطة وينسون‬
                                                                                   ‫ُروح ُروح ربنا ي َس ِّهل لك»‪.‬‬
‫وقرنفل وأعشاب‪ ،‬وينادي‪« :‬عطاااااارة»‪ ،‬وتحكي‬                       ‫لن يفيدك لو ُقل َت لهم إن هذه الابتسامات ليس‬
                                                                 ‫بها أ ّي وعود‪ ،‬ولا تأخذ من الوقت غير ثانية أو‬
‫عن والد َج ّدك‪ ،‬بائع «أم الخلول»‪ ،‬وهو يتج َّول في‬             ‫أقل‪ ،‬وحتى أنها تكون بالملامح أكثر منها بالطريقة‬
  ‫ال ُق َرى وقت الغداء‪ ،‬وعلى كتفه ُق َّفة َرطبة بها أم‬        ‫العادية‪ ،‬ومعناها أن ما بيننا أمان وسلام‪ ،‬لا شيء‬
‫الخلول‪ ،‬وينادي‪« :‬طااااازة يا ام الخلووووول»‪.‬‬                  ‫غير ذلك‪ ،‬ليس بها أ ّي شيء خاص‪ ،‬أو تخطيط من‬
   ‫ُقل لهم إنك كنت بائ ًعا متج ِّو ًل في دراستك‬              ‫قبل أو ِلا َب ْعد‪ ،‬كل شيء ينتهي خلال هذه الثانية أو‬
‫الابتدائي‪ ،‬تبيع التوت والجميز‪ ،‬تتسلَّق أ ًّيا من‬               ‫أقل‪ ،‬بهذه البساطة والتلقائية‪ ،‬يؤ ِّكدون لك أنك لن‬
‫الشجرتين‪ ،‬شجرتان ُح َّرتان قديمتان‪ُ ،‬متاحتان‬                 ‫تحصل من الشارع إلا على تكشيرة‪ُ ،‬ب ُوز‪ ،‬امتعاضة‪،‬‬
‫لأهل قريتك‪ ،‬تتسلَّق أنت الواحدة منهما في لمح‬                       ‫َز ْمجرة رادعة بالعين‪ ،‬هل رأي َت عينًا ُتزمجر؟‬
                                                               ‫ستراها وتسمع العين نفسها وهي ُتزمجر‪ ،‬نظرة‬
‫البصر‪ ،‬تجمع الجميز أو التوت في طبق كبير من‬                    ‫فيها شتيمة‪ ،‬هذا ما يستحقه شخص عابر‪ ،‬غريب‪،‬‬

‫الخوص‪ ،‬و ُتغطيه بأعواد برسيم حتى لا َي ْنشف‬                                             ‫وكل رومانسي أهبل‪.‬‬
‫التوت أو الجميز‪ ،‬وتتج َّول في شوارع قريتك وتبيعه‬                ‫يسألونك‪« :‬عندك أ ّي فكرة عن كوكب الأرض؟»‪،‬‬
‫خلال ساعتين‪ُ ،‬قل لهم إنك في دراستك الإعدادي‬                    ‫ويطلبون منك في َش ْكل نصيحة‪ُ « :‬روح شوف لك‬
      ‫َعم ْل َت « َصبي ن َّقاش»‪ ،‬و» َصبي َن َّجار»‪ ،‬وفي‬      ‫كوكب غيره‪ ،‬أو َت َخيَّل لك كوكب واعمل فيه حاجاتك‬
‫دراستك الثانوي َعم ْل َت ُمسا ِعد َبنَّاء‪ ،‬وأنك تا َج ْر َت‬
 ‫في ال ُح ُّمص والحلاوة أثناء دراستك الجامعية في‬
‫طنطا‪ ،‬وأن َج َّدة «راقية‪ -‬رائية»‪ ،‬عندما كانت تختبر‬
   78   79   80   81   82   83   84   85   86   87   88