Page 86 - ميريت الثقافية رقم (34)- أكتوبر 2021
P. 86
العـدد 34 84
أكتوبر ٢٠٢1
سعيد منتسب
(المغرب)
التمسا ُح ال َعا ِش ُب
قلي ًل ،وتمرغ فوق العشب ،قبل أن يغلق عينيه -1إرغا ُم السي ِر ضد الطبيعة:
ويفتح فمه ليدخل قلي ًل من الهواء إلى جوفه .لا أحد
سواه يعرف ما يدور في رأسه الآن ،كأنه أدخل يدور ويدور حول نفسه ،وحول الجثة .يقوم برقصة
نفسه بنفسه في مسار متاهي لا سبيل إلى إغلاقه. عمودية في قلب سيقان نبات القراص الذي يرتفع عن
فكر أنه كان حر ًّيا به أن يصارع فرائسه داخل الماء، الأرض بمترين .لم يكن التمساح يدرك مغزى الجثة،
وأن يختفي وراء جذوع الأشجار الطافية ليصطاد
الدجاج والحجل وال ُح ُمر الوحشية ،بدل أن يحاول ولا ذلك الشكل اللامدرك للطعام.
معاكسة إرادته وإرغامها على السير ضد طبيعتها. أقصى ما كان يقوم به هو اللف ،وعلى أقل تقدير لمس
هذا أمر جوهري ،والإصرار على غير ذلك سيقتل
ذلك التناسق الهائل الذي تصنعه الطبيعة الآن بين جذع الجثة ،والاطمئنان لفكرة أن زملاءه بعيدون،
تمساح جائع وجثة لم تبرد بعد .فكر أن تفكيره وأن لا حاجة له بالاستمرار في حركاته اللولبية التي
غير منطقي ،وأن التماسيح لا تفكر إطلا ًقا .التفكير
لعنة ،واللحم ينادي .الأجدر به أن يغمض عينيه، تشبه موجة ثملة تترنح على حواف الصخور.
ويفتح فمه ،ويغرز أنيابه فيه بكل ما أوتي من طاقة هو يعتقد أن لح ًما كثي ًرا يوجد في آخر النفق ،وأن هذا
افتراسية .لا ينبغي أن ينتظر حتى يأتي الآخرون
لتمزيقه إر ًبا إر ًبا .سيسخرون منه ويتهمونه بالجبن الشيء الحقيقي الذي يضيئه الجوع هو الجنة التي
الفاضح ،وربما تحاموه كلُّهم ،وانقضوا عليه بشراهة تبحث عنها التماسيح .ومع ذلك ،لا يشعر بأنه يقف
انقضاض سرب كثيف من النمل على صرصور على بعد شبر مما يمجده أصدقاؤه .هذا الذي يلمسه
أعزل .تخيل نفسه صرصو ًرا مقلو ًبا على ظهره يتلقى
عضات مسترسلة في ركن خفي من مطبخ بدون ويتشممه مجرد لحم شبه حيواني ورائحة قوية
تهوية .أضحكته فكرة الصرصور ،لكنه سرعان ما وملمس متفكك وأحاسيس متعارضة.
طردها ،وعاد إلى نفسه الأمارة بالانقضاض .لا يدري
ماذا سيحل به إن أعطى ظهره للجثة ،وانصرف إلى هل المعركة التي شنها على هذا الشيء ذات جدوى؟
حال خلوته المختارة ليلعق جروحه وليتدفأ بالشمس. هل القتل ينبض بالحياة إلى هذه الدرجة؟ ولماذا لا
أسند رأسه على جذع مرم ّي على يمين الجثة ،وفتح تصوم التماسيح؟ لماذا تحافظ على أسلوبها المتوحش
فمه الكبير على مصراعيه ،وبدأ يزفر مغمض العينين
الشيء يريد أن يصل إلى حل مع هذا زفي ًرا حا ًّدا. لحراسة أسطورتها؟
إذا تمسا ًحا إلى التهامه« .هل ح ًّقا لن أظل الذي يدعوه قرر أن ينصرف ،وأن يتنازل عن هذا النموذج الذي
عفت هذا اللحم؟» ،ردد بيأس في نفسه.
هو يعرف أن أجداده كانوا نباتيين ،وأن الجوع هو يتكرر مع التماسيح في كل أطراف الأرض .لماذا
من قوى جينة الافتراس لديهم .فالتماسيح العاشبة لا يكون مث ًل تمسا ًحا نباتيًّا .لن يضطر لافتراس
عاشت في أدغال قارات مختلفة ،وتجاورت أحيا ًنا مع الوعول والقردة والآدميين ،ولن يريق الدماء ،ولن
يصارع التماسيح الأخرى ليظفر بنتف لحم لا
تساهم إلا في توسيع حفر بطنه وتهييج خطمه.
سيكتفي بثمار جوز الهند والكرز والتفاح ،وربما
اختزل الطعام كله في أكواز الذرة وبذور الخروب.
لكن ،إذا صار نباتيًّا ،هل سيظل تمسا ًحا؟ هل
سيحتفظ بهيأته الحرشفية وذيله الطويل وأنيابه
القارضة؟
حام حول الجثة ،وقاوم وخز ذلك الانقضاض
الضاري الذي يجثم على كل خلية في جسده .ابتعد