Page 133 - merit 52
P. 133

‫نون النسوة ‪1 3 1‬‬                                         ‫دائ ًما لصالح الآخر‪ :‬مراد بوصفه الحلقة المسيطرة في‬
                                                                                          ‫عملية الصراع‪.‬‬
      ‫الكاتبة أي ًضا‪ ،‬وما استلهمته من صوت الضمير‬
                                      ‫الإنساني‪.‬‬              ‫اختلف الأمر في المتن الروائي بالنسبة لشخصية‪:‬‬
                                                              ‫َهنا التي رصدت لنا القهر المجتمعي في قريتها‪،‬‬
   ‫ولأن اللغة هى العامل الرئيس لإيجاد وحدة ثقافية‬
      ‫بين الشخصيات‪ ،‬اعتمدت الكاتبة على استخدام‬           ‫ورصدت أي ًضا كيف تغولت المدينة على طبيعة القرية‪،‬‬
     ‫الراوية العليمة للسرد المباشر باستخدام ضمير‬         ‫فشخصيتها تتسم بالتعلق بالمعتقد‪ ،‬ولا تجيد مواجهة‬
     ‫الغائب‪ ،‬ثم أتاحت الفرصة لبقية الشخصيات أن‬
                                                            ‫الحياة القاسية‪ ،‬تقول‪« :‬على أطراف القرية صائد‬
   ‫ُتعبر باستخدام ضمير المتكلم‪ ،‬لكي تصور للمتلقي‬            ‫يتربص‪ ،‬يطلق عينيه لأعلى منتهكتين السماء‪،‬‬
    ‫ما تؤمن به ‪-‬أى الشخصيات‪ -‬من قيم ومبادىء‬              ‫على الأرض يمامة تنزف‪ ،‬أخشى الدم»‪ ،‬وشخصية‪:‬‬
    ‫ومواقف حياتية دالة على الصراع النفسي وآليات‬              ‫نادر الذي يعاني الفراغ النفسي الذي دفعه أو ًل‬
                                                          ‫إلى اتباع آلية (النكوص) إلى الماضي وتذكر حبيبته‪:‬‬
                                       ‫التعايش‪.‬‬           ‫فاطمة‪ ،‬وكأنها هى الملاذ الوحيد لحريته‪ ،‬ثم التحول‬
 ‫اهتمت الكاتبة بوصف ملامح أبطال الرواية الداخلية‬              ‫الانفعالي –ثان ًيا‪ -‬من خلال (العلاقة الآثمة) مع‬
                                                          ‫فتاة الليل‪ :‬رحمة؛ ولأن معظم حركات الشخصيات‬
     ‫والخارجية‪ ،‬وأوضحت دوافعهم وردود أفعالهم‬                ‫الثانوية اعتمدت على حركة الشخصيات الرئيسية؛‬
     ‫وانفعالاتهم تجاه أحداث الحياة‪ ،‬مع ملاحظة أن‬           ‫فموت‪ :‬نادر ترك الباب مفتو ًحا للتعاطف الإنساني‬
  ‫الوصف الداخلي والخارجي ساهما في إبطاء الحدث‬             ‫معه‪ ،‬تقول‪ :‬فاطمة «لم نتفق على الموت يا نادر‪ ،‬لم‬
    ‫عن السريان داخل العمل الروائي‪ ،‬من أجل إعطاء‬           ‫نتفق‪ ،‬ألم يكن حلمنا كاف ًيا!!»؛ ولأن هناك اختلا ًفا‬
 ‫المعلومات للمتلقي؛ لذلك تأرجحت الكتابة بين المقاطع‬       ‫بين طريقة إدراك الزمن نفسيًّا وطريقة إدراك المكان‬
    ‫السردية التي تتناول الأحداث والتسلسل الزمني‪،‬‬             ‫حسيًّا‪ ،‬سادت لغة العلاقات المكانية مثل (الأعلى‪/‬‬
                                                           ‫الأسفل‪ /‬القريب‪ /‬البعيد)‪ ،‬فالمكان هو الإطار الذي‬
        ‫والمقاطع الوصفية التي تتناول تمثيل الأشياء‬          ‫تدور فيه علاقة الشخصيات بالأحداث؛ ربما لذلك‬
                                   ‫والشخصيات‪.‬‬            ‫لاحظنا أن التنقل عبر الأمكنة حسب تسلسل الأحداث‬

  ‫ولأن الزمان من العناصر التي لا يمكن بناء النص‬               ‫داخل المتن الروائي أعطى للمتلقي أسبا ًبا مقنعة‬
      ‫الروائي بدونه‪ ،‬فالزمن الخارجي في الرواية تم‬                                    ‫للتحولات الشخصية‪.‬‬

‫تحديده بحسب الماضي والحاضر والمستقبل‪ ،‬وتداخل‬                             ‫خاتمة‬
 ‫معه الزمن النفسي النسبي الذي اعتمد على مونولوج‬
‫الشخصيات الذهني وتداعيات اللاشعور التي جعلتهم‬              ‫«لم يهزم الموت نبيل الهواري‪ ،‬إنما هو من عاش‬
 ‫في حال صراع دائم‪ ،‬وأتاحت لنا التوغل في أعماقهم؛‬                 ‫عمره كله يهزم موتنا‪ ،‬ويؤصل لهويتنا»‬

    ‫فوجدنا أنه كلما كان الزمن الخارجي إيجابيًّا كان‬      ‫في رواية‪ :‬الشرفة‪ ،‬إذا كان مفهوم الشخصية يشتمل‬
                             ‫الزمن النفسي كذلك‪.‬‬           ‫على الصفات التي تميز الشخص عن غيره من خلال‬
                                                         ‫مظهره‪ ،‬عاداته‪ ،‬تقاليده‪ ،‬والدوافع النفسية التي تحدد‬
 ‫الحوار في الرواية الحالية يشكل مواقف الشخصيات‬
      ‫النفسية تجاه أحداث الحياة‪ ،‬يعاب عليه أنه جاء‬           ‫أسلوب تعامله مع من حوله من الشخصيات‪ ،‬لم‬
                                                            ‫تقف الكتابة عند المعطيات الخارجية المباشرة لكل‬
‫أحاد ًّيا‪ ،‬واعتمدت الكاتبة في بناء لغة المونولوج الذهني‬       ‫شخصية؛ إنما تخطتها إلى إدراكها بشكل جديد؛‬
   ‫للشخصيات على ما تم استرجاعه من الذاكرة؛ فلا‬              ‫فارتكز المحكي النفسي على استحضار شخصيات‬
      ‫يمكننا تصور لغة الحوار بين شخصيات العمل‬             ‫الآخرين الثانوية‪ ،‬كأن معرفتنا بماهية كل شخصية‬
      ‫الروائي في هذا العالم المتغير دون الإقرار بمبدأ‬       ‫من شخصيات العمل الأدبي توضح ُهوية وثقافة‬
  ‫التنوع الثقافي (الذي اتضح في المواصفات الخارجية‬
    ‫والداخلية ووجهات النظر)‪ ،‬ربما لذلك كان تعزيز‬
  ‫ثقافة الحوار لتحقيق الأهداف الإنسانية من الكتابة‪،‬‬
     ‫هذا إن اعتبرنا نهاية الرواية ليست نقطة الختام‪،‬‬
  ‫إنما هذا التضافر بين الشخصيات والحدث الرئيس‬
                ‫لتحقيق الغرض من الكتابة والحكي‬
   128   129   130   131   132   133   134   135   136   137   138