Page 51 - merit 52
P. 51

‫‪49‬‬         ‫إبداع ومبدعون‬

           ‫رؤى نقدية‬

‫ربيع يوسف‬                 ‫مجدي النور‬                         ‫وفي الفترة الأخيرة من تطور الحركة الوطنية‬
                                                       ‫‪ 1953 -1938‬نضجت أفكارها وتوج جهدها بإعطاء‬
    ‫داؤود عليه السلام وفي مجموع الآيات القرآنية‬         ‫السودان الحكم الذاتي‪ ،‬ومن ثم قفز المسرح لخطابه‬
       ‫يجد نو ًعا للبناء المعماري لأسطورة إسماعيل‬      ‫الثاني (نقد الاتجاهات السياسية الدكتاتوريات) التي‬

‫صاحب الربابة في (كتاب الطبقات) ممتز ًجا بعناصر‬            ‫تعاقبت على تولي حكم السودان‪ ،‬وهي فترة تدرج‬
  ‫الثقافة الإسلامية العربية والمسيحية(‪ .)14‬في الثقافة‬  ‫مراحل تاريخية شاسعه حتى لحظات سقوط الإنقاذ‪.‬‬
  ‫الإسلامية كان داؤود عليه السلام حسن الصوت‬
                                                             ‫نذكر هنا امتداد صور التنوع في (رث الشلك)‬
‫حسن الإنشاد‪ ،‬يرتل الزبور ترتي ًل(‪“ )15‬وأتينا داؤود‬      ‫واستنطاقها للطقوس والشعائر الدينية والاجتماعية‬
     ‫زبورا”(‪ ،)16‬ففي سفر المزامير كان داؤود أي ًضا‬     ‫لبعض الجماعات الثقافية في جنوب السودان‪ ،‬و(نبتة‬
     ‫حسن الصوت‪ ،‬منش ًدا ترافقه عند الحاجة آلات‬
                                   ‫الموسيقى(‪.)17‬‬         ‫حبيبتي) التي استنطقت التراث النوبي العريق(‪.)12‬‬
      ‫يعكس هذا التمازج الناتج عن القصة الشعبية‬          ‫ومن التجارب المسرحية الرائدة التي اعتنت بالتنوع‬
      ‫ودخولها عالم المسرح تداخل التنوع في ُبعديه‬        ‫الثقافي تجربة الراحل مجدي النور‪ ،‬التي يقول عنها‬
     ‫المصدريين اللذين دعما البنية المعرفة لمسرحية‬
                                                            ‫الناقد السر السيد‪“ :‬ثلاث قضايا رئيسة تشغل‬
   ‫صاحب الربابة وسمحا بأن تنهض المسرحية على‬                ‫الباحث في نصوص مجدي النور‪ ،‬لأنها مجتمعة‬
             ‫مصدر معرفي متنوع الجذور الثقافية‪.‬‬            ‫تشكل عالمه‪ ،‬وفيها تكمن رؤاه المغايرة (‪ )..‬تراءى‬
                                                          ‫لي أن مسألة الهوية‪ ،‬هوية المكان وهوية الشخص‬
    ‫ومثال آخر فقد تكلم إسماعيل في المهد والصيغة‬            ‫وهوية الثقافة‪ .‬تشكل المقولة المركزية التي يبني‬
 ‫هنا مستمدة من مصدرها الديني‪ ،‬وقد جاءت تحمل‬                ‫عليها مجدي النور نصوصه‪ ،‬والهوية هنا ليست‬
‫بشرى كلام المسيح(‪ )18‬في قوله تعالى “كيف نكلم من‬
                                                             ‫فكرة كلية ثابتة وجاهزة ومتاحة‪ ،‬بل متحركة‬
                          ‫كان في المهد صبيا”(‪.)19‬‬        ‫يكشفها البطل‪ ،‬المشاهد أو القاريء لأنها تبتدي في‬
 ‫ففي ترجمة مكي الدقلاشي والد إسماعيل إنه حين‬           ‫ما يمكن تسميته بالترتيب الثقافي‪ ،‬فهي إذن لا تتجلى‬
‫أراد أن يقطع النهر لزيارة شيخه‪ ،‬لم يجد أي مركب‪:‬‬          ‫في التنوع باعتبارها مع ًطى‪ ،‬سواء أكان هذا التنوع‬
 ‫“فمشى هو وحيرانه في الماء حتى خرجوا منه”(‪.)20‬‬          ‫عرقيًّا أم طبقيًّا أم ثقافيًّا أم على مستوى النوع‪ ،‬إنها‬
                                                          ‫تتجلى عندما يلتقي هذا التنوع في زمان ما ومكان‬
                                                          ‫ما بكل ما يحوي الزمان والمكان من ِقيم ومفاهيم‬
                                                         ‫منسجمة أو متنافرة‪ ،‬فالهوية عند كاتبنا ومخرجنا‬
                                                          ‫تكشف عن هذا التماس بين عرق وعرق أو أعراق‬
                                                          ‫أخرى‪ ..‬بين لغة ولغات أخرى‪ ،‬بين رجل وامرأة‪،‬‬
                                                        ‫بين ثقافة وأخرى‪ ،‬بين ما هو سائد وما هو صاعد‪،‬‬
                                                        ‫تكتشف ‪-‬أي الهوية‪ -‬عبر علاقات القوة بين الريف‬
                                                        ‫والمدينة‪ ،‬بين مركز وهامش‪ ،‬بين ما هو رسمي وما‬

                                                                                        ‫هو شعبي”(‪.)13‬‬
                                                           ‫ففي مسرحية (إسماعيل صاحب الربابة) لمجدي‬
                                                        ‫النور تتجلى القيمة المعرفية في القصة الشعبية التي‬
                                                          ‫اتكأت عليها المسرحية في صور تنوع ثقافي‪ ،‬ضم‬

                                                            ‫مستويين ثقافيين اندرجا في ُبعد ْين (أسطوري‬
                                                           ‫وثقافي محلي)‪ ،‬وهما مستويان يوضحان تداخل‬

                                                              ‫الثقافة المسيحية والثقافة العربية الإسلامية‪:‬‬
                                                          ‫إن الكتاب المقدس في تراتيل (سفر المزامير) للنبي‬
   46   47   48   49   50   51   52   53   54   55   56