Page 48 - merit 52
P. 48

‫العـدد ‪52‬‬   ‫‪46‬‬

                                                         ‫أبريل ‪٢٠٢3‬‬

  ‫وعقدية واجتماعية مختلفة وصلت إلى بعض أجزاء‬               ‫والجعليين والمناصير والرباطاب وغيرهم‪ .‬ف َوردت‬
       ‫السودان من الحضارات المصرية والرومانية‬                  ‫بعض الإشارات لبعض القبائل التي تسكن في‬

 ‫واليونانية‪ ،‬ومن بلاد المغرب العربي وغرب أفريقية‬            ‫أقاصي غرب السودان مثل الزغاوة‪ .‬أو في جنوبه‬
               ‫وبعض الأقطار الآسيوية كالهند(‪.)4‬‬            ‫(دولة جنوب السودان حاليًا) مثل الشلك والدينكا‬
                                                          ‫والنوير والباريا‪ ،‬أو تلك التي تسكن أماكن الجنوب‬
   ‫أنتجت ثقافة هذا التنوع عبقرية المكان (السودان)‬         ‫الشرقي مثل التابي والتوقو في منطقة الإنقسنا‪ .‬في‬
    ‫وموقعه الجغرافي والاستراتيجي المميز وموارده‬            ‫إطار الحديث عن تلك الجماعات أوردت الدراسات‬
     ‫الطبيعية والبشرية‪ ،‬وقدرته على إبداع وصياغة‬             ‫معلومات ضافية عن ثقافة تلك الجماعات و ُلغاتها‬

         ‫أشكال إيجابية للحياة الاجتماعية والثقافية‬                                 ‫وعاداتها ومعتقداتها(‪.)2‬‬
    ‫الإنسانية؛ فعذوبة المياه واتساع الرقعة الزراعية‬            ‫وفرت دراسات معلومات مهمة عن الجماعات‬
     ‫والسكنية ل َمن أراد الاستيطان‪ ،‬وتنوع السلع ل َمن‬         ‫الثقافية السودانية على سبيل المثال لا الحصر‪:‬‬
‫أراد التجارة‪ ،‬وبعد ال ُشقة ل َمن أراد اللجوء والاختباء‪،‬‬   ‫دراسات ماكمايكل (قبائل شمال ووسط كردفان)‪،‬‬
    ‫وحسن الاستقبال والقبول ل َمن أراد نشر الدعوة‬          ‫تاريخ العرب في السودان في جزأين‪ ،‬وسوم الجمال‬
                                                         ‫في كردفان‪ ،‬دراسات هيليلسون‪ ،‬ودراسات ريتشارد‬
      ‫الإسلامية أو عبور الديار لأداء فريضة الحج‪،‬‬              ‫هيل على سبيل المثال‪ :‬دراسته على تخوم العالم‬
    ‫وغير ذلك من الأسباب التي جعلت من السودان‬               ‫الإسلامي حقبة من تاريخ السودان‪ ..‬وغيرهم من‬
   ‫منطقة جذب للعديد من الأجناس في شتى الحقب‬               ‫الأوروبيين الذين اهتموا بدراسة الثقافة السودانية‬
                                                           ‫في إطار تعددها الثقافي‪ .‬وبجانب تلك المؤلفات وفر‬
                                    ‫التاريخية(‪.)5‬‬             ‫التقرير النهائي للتعداد الأول ل ُسكان السودان‬
  ‫ُيطلق على أطروحة البوتقة بصفة متكررة مصطلح‬                   ‫معلومات جيدة عن القبائل والجماعات الإثنية‬
‫وحدة التنوع السودانية أو الأفروعربية‪ ،‬وطب ًقا لهذه‬          ‫الثقافية واللغات التي يتخاطبون بها‪ ،‬حيث اتضح‬
‫الأطروحة فإن المصدر الأصلي للثقافة السودانية؛ هو‬           ‫أن هناك أكثر من خمسمائة قبيلة وجماعة إثنية في‬
  ‫مصدر أفريقي ولكن بملامح عربية؛ أو هو اندماج‬                 ‫السودان‪ ،‬وأنهم يتحدثون أكثر من مائة لغة(‪.)3‬‬
 ‫للعرب وللأفارقة (الأفريقية‪ -‬العربية) بصفة عامة‪.‬‬         ‫حتى في فترات دخول هجرات بعض القبائل العربية‬
                                                         ‫إلى السودان فقد تعايشت مع القبائل الأفريقية حتى‬
    ‫إن مؤيدي هذه المدرسة الفكرية ُيجمعون على أن‬              ‫تأفرقت‪ ،‬عدا الرشايدة الذين جاءوا آخر القبائل‬
‫المجتمع السوداني مك َّو ٌن تاريخيًّا من ثقافات مختلفة‪،‬‬   ‫العربية إلى السودان ولم تختلط بقبيلة عربية أخرى‪.‬‬

     ‫لكن الآن ثمة عوامل محددة تمثل تلك الأرضية‬                              ‫أسهم الإسلام بنصيب وافر في‬
   ‫المشتركة التي أنتجت خلي ًطا من الثقافتين العربية‬                        ‫صياغة الإنسان السوداني فك ًرا‬
   ‫والأفريقية‪ ،‬بعبارة أخرى أسمته بمجتمع منصهر‬                              ‫ووجدا ًنا وسلو ًكا‪ .‬وكذلك اعتنق‬
   ‫في بوتقة‪ ،‬فهم يشيرون إلى التداخل والاختلاط في‬
  ‫التزاوج واللغة‪ ،‬واللذين حدثا مع‬                                             ‫السودانيون الديانة المسيحية‬
    ‫مرور الزمن‪ ،‬مما جعل الثقافة‬                                           ‫وأقاموا الممالك المسيحية المعروفة‬
 ‫السودانية ثقافة فريدة بين الدول‬                                         ‫التي يشهد بها التاريخ السوداني‪.‬‬

      ‫العربية والأفريقية‪ ،‬وأضافوا‬                                             ‫كما شكلت الديانات التقليدية‬
    ‫أي ًضا أن اللغة العربية أصبحت‬                                       ‫والممارسات الطقسية المختلفة جز ًءا‬
    ‫اللغة المشتركة (لغة التخاطب)‬
 ‫بين القبائل التي في الجنوب‪ ،‬حيث‬                                           ‫مه ًما من ألوان الطيف الديني في‬
   ‫نجد أن العربية المبسطة (عربي‬                                             ‫السودان‪ ،‬وبجانب تلك الخيوط‬
   ‫جوبا) تسود كلغة التواصل بين‬                                           ‫المهمة في تشكيل النسيج الثقافي في‬
 ‫القبائل الجنوبية‪ ،‬ولتفسير وجود‬                                           ‫السودان هناك مؤثرات اقتصادية‬
  ‫الثقافات الأخرى فإنهم يحاولون‬

      ‫أن تحتفظ الثقافة الجنوبية –‬
   43   44   45   46   47   48   49   50   51   52   53