Page 96 - merit 52
P. 96

‫العـدد ‪52‬‬   ‫‪94‬‬

                                                  ‫أبريل ‪٢٠٢3‬‬

‫صديق الحلو‬

‫(السودان)‬

‫أحمد توش‬

 ‫مستغرقون في أعمالهم‪ .‬أبو القاسم قال‪ :‬إن أحمد‬        ‫هذه البلدة بلا ذاكرة‪ ،‬نبت فيها أحمد توش هكذا‬
                                                  ‫فجأة‪ .‬يسير وحده‪ ..‬يعيش وحده‪ ..‬يضحك ويغني‪.‬‬
‫توش هذا خطر علي بناتنا وهو ي َّدعي المسكنة‪ .‬أقره‬
 ‫عبد الله وأردف أن أحمد توش عندما يدخل بيتًا‪،‬‬          ‫عندما كان صغي ًرا كان يقتل الحرباء والجراد‬
 ‫تعاف المرأة زوجها وتنكر العروس بعلها وتتململ‬        ‫ويبول على السحالي بعد أن يدهسها حتى الموت‪.‬‬
                                                     ‫تقوم من عثرتها كأنها مدوخة من نعاس‪ .‬أحمد‬
    ‫الفتيات في خدورهن‪ .‬تنتشي أحلامهن يعانقن‬
 ‫الوسائد في ول ٍه‪ .‬شيء مثل النسغ يدب كالهسيس‬          ‫توش من أصول يمنيه‪ ،‬جدته من غرب أفريقيا‬
                                                    ‫وأمه نيليه كقطعة من الزيتون المدهون‪ .‬ولد أحمد‬
 ‫يشعل الحرائق في كافة الاتجاهات‪ .‬ذاكرة البلد لا‬
                                                        ‫توش بشعره المسدل وعينيه الكبيرتين وأنفه‬
                                                    ‫المستقيم‪ .‬نشأ وترعرع‪ .‬كل بيوت الحلة بيته‪ .‬على‬
                                                    ‫وجهه مسحة من الأسى‪ ،‬ويسيل من فمه اللعاب‪.‬‬
                                                   ‫قميصه الشفاف وقدماه الحافيتان‪ .‬يساعد هذا في‬
                                                   ‫البناء ويجلب الماء لتلك‪ .‬والحطب لأخرى‪ .‬تجده في‬

                                                     ‫دكان صابر وفي قهوة حامد وطاحونة بابكر في‬
                                                  ‫نفس الوقت‪ .‬ضحكته الرنانة تشعر الناس بالأمان‪.‬‬

                                                        ‫كبر أحمد توش واتسعت وسامته وازدادت‪.‬‬
                                                   ‫يدخل البيوت في أي وقت شاء‪ .‬مما زاد من خوف‬
                                                  ‫الرجال وحرصهم‪ ،‬وارتباك الصبايا لحسنه الدفاق‪.‬‬
                                                    ‫بضحكته المذهلة جمد في عروقهن الدم‪ .‬كن يقلن‪:‬‬
                                                    ‫آه لو أنه استحم وتعطر‪ .‬خاطب فيهن شيئًا دافئًا‬

                                                     ‫وغام ًضا يسري في الأعصاب كالمس‪ .‬والأماسي‬
                                                  ‫باردة وكئيبة‪ .‬تمر بطيئة ومعتمة‪ .‬نفس الخال الذي‬

                                                    ‫في خد أحمد توش وجد في طفل ودرحمة‪ .‬الشعر‬
                                                      ‫المسدل الغزير في بنت عمر‪ .‬والأصبع السادس‬

                                                    ‫في تيمان فضل‪ .‬في أحمد توش شيء كالمغناطيس‬
                                                        ‫يجذب الحسان إليه‪ .‬الصغار منهن‪ .‬الشابات‬

                                                     ‫والأرامل‪ .‬صفية الآتية من المدينة لزيارة خالتها‬
                                                   ‫في القرية شهقت عندما رأته لأول مرة‪ .‬كاد يغمي‬
                                                  ‫عليها كأنما سكين بارد طعن منها الفؤاد والخاطر‪.‬‬

                                                      ‫أحمد توش في لهوه يضحك‪ .‬والدنيا أهازيج لا‬
                                                     ‫تنتهي‪ .‬غشيم ومبروك‪ .‬وهالة من الضوء تكسو‬

                                                        ‫محياه‪ .‬غرقان ودرويش‪ .‬تتدلي أشياؤه كلها‪.‬‬
                                                    ‫يعرف أسرار البلدة‪ .‬كل شاردة وواردة‪ .‬والناس‬
   91   92   93   94   95   96   97   98   99   100   101