Page 97 - merit 52
P. 97
95 إبداع ومبدعون
قصــة
كبيرتين .فزع الناس خاصة وأن مطر خريف ذاك تتوقف مثل ذاكرة السمك والذباب .أحمد توش
العام استعصي على النزول .الأسعار ارتفعت وعم كالنحلة واسع النشاط ومتوفر ..يقدمون له الطعام
والحنان والحب .لا أحد يعرف أصله .قيل إنه من
الغلاء والجفاء والجنون .البعض يعتبره صال ًحا. أصول يمنيه أو من بلاد شنقيط .جدته من الجبال
وآخرون يظنونه مجنو ًنا .يغلي الدم في عروقهم وأمه كأبنوسة تشق عنان السماء وتغرق الحكايات
ويفور .وهم في أماكن عملهم البعيدة .كبر شبيهي
توش .تعادلت الضلالات والصلاح .توش يساعد في الظلال والبلدة لا ذاكرة لها .نعجة حمد الله
النساء على الإنجاب .يتفل لهن في الماء .ويمسح ولدت حم ًل بستة أرجل بشعر مسدل وعينين
بطونهن باللبن الحليب ويدعو لهن بالبركة .يع ِّزم
على الخيط الحرير .تربطه المصابة بالصداع
فتشفي .يتركة الرجال في الحلة وعندما يذهبون
للسوق على بعد عشرين مي ًل يجدونه هناك .حافي
القدمين تحيطه هالة من الجمال وذاك الألق .وعلى
رأسه كتلة من الشعر وقميص شفاف يظهر أشياءه
كلها .يتحسرن نساء المدينة على هذا الجمال المهدر
كجوهرة في وحل .توش مسخ على النساء رجالهن
وعلى الرجال حياتهم .في مرة قلب إحداهن على
قفاها مما جعل كلبة موسي تنبح .ونعجة أزرق
تولي هاربه .قال له البصير ألا يكررها .وقد فعل.
هذه البلدة بلا ذاكرة ،قال عباس :إن أحمد توش
جاء منذ خمسين عا ًما .نزل البلدة ..في نقاء القمح
كان لونه .يركب جم ًل أبي َض .وفي ثياب ناصعة.
التقى السرة .أكرمته فبني بها .كان تاج ًرا وشا ًّبا
وسي ًما .يتاجر في سن الفيل .الخرز والسوميت
وخشب الصندل .بين القري والأرياف .بعد أن
قضى ثلاثة أيام .كانوا يخالونه سيغادر .ولكنه
مكث عندها عشرين عا ًما إلى أن توفت السرة .قبل
أن تموت أوصته :أن يدفن معها الجرة المعلقة في
سقف الغرفة .نسي أحمد ذلك يوم أن ماتت السرة.
وقبل دفنها تذكر الوصية .أوقف الناس من الدفن
حتى يعود .وجرى ليأتي بالجرة ،وقبل وصوله
إليهم تعثر وسقط وانكسرت الجرة .كأنما غمة
انزاحت من صدره ،أفاق ووجد وسط الجرة ورقة
مطبقة بعناية .ورأس فأر .ومخلب قنفذ .شعر
أسد .وقطعة جبن .وريش نعام .من يومها وغادر
أحمد توش إلى أهله في أقاصي الشمال دون رجعة.
ترك ذرية أو لم يترك في البلدة التي لا ذاكرة لها؛
لا أحد يدري .ولكنه تركها ممحونة تبغي رحمة
الله .تدحرجت في أعماقها بقايا الأنجم الجميلة التي
تكسرت على ظلام الليل الذي تضاعف سواده.