Page 98 - merit 52
P. 98
العـدد 52 96
أبريل ٢٠٢3
عبد القادر حيدر
(السودان)
نصف قاتل
مندوب الموت الدائم منح ُه الإحساس بقدرته على أغمض عين ُه اليسرى ،فتحها ،كرر هذا الروتين
كل شيء ،عمل طوال عمره لكي يتجاوز الاحساس مرات عديدة ،كأنه يريد أن يتأكد أ َّن ساعة اللحظة
الحاسمة لن يخذله جفنه ،عينه الأخرى في مركز
بهزيمته الأولى ،تلقفه الشيخ الوقور ذو اللحية تقاطع الأفقي مع الرأسي ،في هذه اللحظة بالتحديد
المائلة إلى البياض يشوبها احمرار من أثر الحناء، العالم عنده مجرد دائرة بوسطها خطان متقاطعان،
تلقى تدريباته ولقمة تملأ بطنه والعديد العديد من عند المركز جمجمة ما ،لا يعلم لها اس ًما ولا يريد!
الدروس ،الدرس الأول أن الرصاصة رسول الآلهة كل ما يهمه أن يكون الثقب في المركز تما ًما .ألم في
للغافلين الزائدين عن حاجة الدعوة ،تعلم الانصياع ساق ِه اليسرى التي يرتكز عليها جعله يرفع رأسه
بعد أن كسرت إرادته على حائط الانتماء ،الإحساس
محض هراء لا يجلب إلا الألم ،فتح مقبرة ضخمة قلي ًل ُثم يتجاهله ،ذبابة تطير في حلقات تجعله
لذاكرته فتحول لمجرد آلة تعيش في الآن ،في اللحظة، يطرف ،ورقة تسقط في حركة لولبية لا يأبه لها.
سري ًعا تحول لآلة الموت التي ستنشر الحياة في
تحسس سبابته وشحذها ،داعب الزناد البارد
العالم المهترئ ،ذاع صيته تحت عناوين مبهمة كالصقيع الناعم كأنثى ،مصقو ٌل ينساب ودي ًعا
لا شارح لها ،أصبح اليد الباطشة ،بالرغم من حتى لا ُيعكر صفو الإصبع حينما يضغط ليعبر
كل جبروته ،إلا أنه لم يستطع مصارعة الحمي! تلك اللحظة التي تختزل كل شيء ،اللحظة الفاصلة
ذاك المخلوق الذي لا يحتاج لباب لكي يدخلك ،ما بين عالمين ،الحياة والموت ،تلمسها م َّر ًة أخري ،مرر
هذا العجز؟ ،تلك الأيام هي مبدأ إحساسه ببذرة كامل سبابته فيها ،عبر شكل الهلال المتحفز توقف،
الوحدة وهي تتحول إلى شجرة داخله ،لم يجد سرت قشعريرة في جسده ،ما هذا ،أهو البرد؟ أهي
من يستنجد ب ِه ،لم يقو على فعل سوى أن يمد يده تلك النسمة التي كشرت عن أنيابها عندما أحست
ليفتح الصنبور في رأسه ،كان الماء ج َّل ًدا لا يرحم، بفحيح موت يقترب؟ ماله يتصبب عر ًقا؟ ،لم يعهد
ظل يص ُّب سياطه في رأس ِه رد ًحا من الزمن حتى هذا الشعور إلا عندما داهمته الحمي ،كان شعو ًرا
انهزمت الحرارة ،غادره الوهن روي ًدا روي ًدا ليعود غريبًا ،ظ َّل طوال عمره عصيًّا على المرض حتى تيقن
إلى عمله ،نفض عن رأسه الذكريات التي باغتته أنه ُق َّد من صخر لا تقربه الأوبئة ولا الأسقام ،لهب
حين سريان القشعريرة في جسده ،عاد إلى منظاره الحرارة الذي احتل كامل جسده بعث فيه إحساس
ُمرك ًزا مع تقاطع الخطوط ،طاف بفكره على كامل لم يعتده ِمن قبل ،فحوى أنه لم يعتد أن يحس
جسده ،تأكد أن كل عضو فيه على أهبة الاستعداد البتة؛ عجز هزم بداخله كل جبروت لم تحده حدود
لروح يجب أن يحصدها ،زجر حبة العرق التي من قبل ،عمله في حصد الأرواح وتجسيده لدور