Page 99 - merit 52
P. 99

‫‪97‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

    ‫قصــة‬

     ‫ذاكرته‪ ،‬باغته سؤال‪ :‬ما ذنبه؟ اندهش لفجائية‬           ‫لم يجد لها ُمبر ًرا‪ ،‬انك َّب بعينه الوحيدة على ما‬
     ‫السؤال‪ ،‬لم تكن هي المرة الأولى التي يطل فيها‬      ‫أمامه‪ ،‬روي ًدا روي ًدا تلاشي كل شيء سوى دائرة‬
  ‫بعلامات استفهامه هذه‪ ،‬تذكر صورة تلك الطفلة‪،‬‬         ‫تحاصر با ًبا زجاجيًّا يفتح قبل أن تصله بخطوتين‬
  ‫انتابته رعدة شاملة‪ ،‬عيناها الواسعتان والضحكة‬         ‫و ُيغلق بعد أن تتجاوزه بذات العدد من الخطوات‪،‬‬
‫المشعة بالفرح تفوح عبر صورتها التعريفية‪ ،‬يومها‬        ‫أقدام تعبره بملامح مختلفة ولكنها أب ًدا لا تتوقف‪،‬‬
  ‫ضج في رأسه سؤال‪ :‬لماذا الأخطر؟ الأسئلة تعني‬           ‫العابرون يرمقون الزجاج المصقول الذي يمارس‬
    ‫أنك تفكر‪ ،‬تبحث عن المبررات وتجتهد في عقلنة‬       ‫عكس صورهم بعبثية حاشدة وغبن‪ ..‬توقفت جميلة‬
  ‫النتائج‪ ،‬يومها وبعد محاضرة طويلة عن المهددات‬        ‫ما‪ ،‬ع َّدلت من وضع خصلها بحركة غنج‪ ،‬كأنها في‬
    ‫التي تواجههم أخبره الشيخ أن قتل هذه الطفلة‬        ‫بروفة للقاء ما‪ .‬تتأكد من إجادتها لنشر العطر على‬
‫سيحقق فت ًحا كبي ًرا للدعوة‪ ،‬نص ًرا مبينًا سيكتب في‬  ‫سامعها‪ ،‬قال في نفس ِه‪« :‬ماذا لو وضعت رصاصتي‬
 ‫صحائفهم‪ ،‬عندها بينه ونفسه صدمته حيرة إجابة‬
‫سؤال‪ :‬ماذا سيضير الإله إن تركها تحيا؟ وما الذي‬           ‫هذه في جمجمتها؟‪ ،‬ستندهش بالتأكيد‪ ،‬لن تجد‬
   ‫ستخسره الدعوة؟ وماذنبها؟ يومها أحس بحجر‬             ‫شع ًرا تعدله مرة أخرى وأنا لن أخسر شيئًا فلد َّي‬
     ‫يضغط على قلبه‪ ،‬لم يكن بصلابة من يستطيع‬             ‫فائض من الرصاص‪ ،‬لكن العالم سيخسر جميلة‬
‫تحمل الإجابات‪ ،‬لذا ألغى الأسئلة إلا أن عين الشيخ‬
 ‫التي أبصرت بوادر وعي لم تجعل الأمر يمر مرور‬             ‫أخرى‪ ،‬ربما‪ ،‬أو ربما سيكسب بخسارتها عبثية‬
   ‫الكرام‪ ،‬ذ َّكره أنه لولا هو لكان ربما ميتا بجرعة‬                                         ‫الفكرة»!‬
    ‫زائدة‪ ،‬أو في زنزانة ينتظر تنفيذ حكم إعدام‪ ،‬اأو‬
   ‫حتي مجرد خرقة بالية ملقاة على قارعة الطريق‪،‬‬         ‫نضحت سخرية جعلته يبتسم‪ ،‬الفوهة ُمسددة إلى‬
 ‫بث سمومه ثم تركه في ذات الغرفة الخالية إلا من‬           ‫مفرق الشعر تما ًما‪ ،‬عادت عابسة بعد أن عبرت‬
  ‫باب وكرسي‪ ،‬عندما دخل عليه بعد زمن لا يمكنه‬
    ‫معرفته لغيابه عن الوعي جو ًعا رد ًحا منه‪ ،‬أمره‬   ‫الجميلة الباب «ربما أفجر رأس ذاك المتأنق‪ ،‬ملامحه‬
‫بذات الصوت الذي ذكره به بفضله عليه أن‪“ :‬اذهب‬              ‫تشي بأنه موظف مهمل في مكت ٍب ما‪ ،‬بالتأكيد‬
 ‫لقاعة التدريب”‪ ..‬مكث في حوض ضخم مليء بالماء‬
 ‫المثلج يو ًما كام ًل حتي تجمد‪ ،‬وهم يجففونه أخبره‬       ‫سينفجر في وجه أول من يبدي اهتما ًما به‪ ،‬ماذا‬
   ‫الشيخ أن برنامجه سيمتد لشهر كامل يمنع فيه‬            ‫لو هشمت رأسه بتصويبة جيدة‪ ،‬سيكون تمرينًا‬
  ‫النوم أكثر من ساعة‪ .‬طوال تلك الفترة لم تغادره‬       ‫ممتا ًزا س ُيخرج الفوهة من حالة الملل‪ ،‬لكن لا‪ ،‬ذلك‬
    ‫فكرة التمرد وقتل الشيخ‪ ،‬لن يكلفه الأمر سوى‬         ‫سيريحه من عذاب الإهمال ومن رداء اليأس الذي‬
   ‫ضغطة خفيفة على عنقه وسينكسر‪ ،‬ما إن يدخل‬               ‫يخنقه‪ ،‬الحياة تحتاج بعض اليأس‪ ،‬إذن سأدعه‬
    ‫الشيخ بصوته الفتاك حتي يتحول لجر ٍو وديع‬         ‫يل ِّمع حذاءه ويعدل من ربطة عنقه ويمضي ُمتبخت ًرا‬
    ‫ينتظر ما يلقى إليه‪ ،‬لم يستطع أب ًدا معرفة سبب‬
                                                                                     ‫ودواخله خواء»‪.‬‬
                  ‫ضعفه المهين أمام هذا الصوت!‬        ‫تأتيه التعليمات صارمة‪ ،‬محددة وواضحة‪ ،‬سطرين‬
   ‫نتيجة تلك التجربة أن تحول فقط لإصبع يضغط‬
 ‫على الزناد‪ ،‬وعين لا ترى في طرائدها سوى مصدر‬             ‫بهما اسم وعنوان رفقة صورة جلية التقاسيم‪،‬‬
‫رزق يجلب أربا ًحا أكثر‪ ،‬لم يسمح لإدراكه أن يحول‬      ‫لطالما أجاد الالتفاف على الأسئلة الفتاكة على شاكلة‪:‬‬
  ‫الأمر لقضية أيديولوجية رغم انتمائه للجماعة‪ ،‬لم‬
  ‫يسمح لوعيه عقل أنهم ‪-‬أولئك الغافلون القابعون‬          ‫من؟ كيف ولماذا؟ إنسان بلا أسئلة هو مجرد آلة‬
   ‫في مركز الدائرة عند تقاطع الأفقي مع الرأسي‪-‬‬            ‫صماء‪ .‬كم تمني أن تأتي الصور بلا عيون! ما‬
   ‫ربما يملكون ما يجب أن يعيشوا من أجله‪ ،‬أحبة‬
                                                      ‫هذه القدرة العجيبة على قول كل شيء؟ أي شيء؟‬
                                                      ‫وكأن الرموش أصابع شقية تمتد عمي ًقا لتنخس ما‬
                                                      ‫اجتهدت العقول في دفنه عمي ًقا وتعيد صياغة رؤية‬

                                                                                      ‫الإنسان لنفسه!‬
                                                            ‫تراجع قلي ًل‪ ،‬مارس تمرين التركيز‪ ،‬إغماض‬
                                                        ‫العينين عن كل شيء وفتحهما على الدائرة فقط‪،‬‬
                                                     ‫م َّرت الدقائق ببطء متآمر‪ ،‬أخذ يردد ملامح طريدته‬
                                                        ‫في رأسه‪ ،‬توقف عند صورة الأعين المرسومة في‬
   94   95   96   97   98   99   100   101   102   103   104