Page 103 - merit 52
P. 103

‫‪101‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

     ‫قصــة‬

   ‫شاهد ُت الطفلة تزحف على الأرض‪ ،‬كان ْت بعمر‬                                                       ‫من ‪:charli55@hotmail.com‬‬
  ‫عامين أو أكثر قلي ًل‪ ،‬عجفاء وعارية تما ًما‪ ،‬الجو‬                                           ‫إلى ‪:Jackie.Rbneyo@hotmail.com‬‬
‫ساخن مثل غ َّلية بيض‪ ،‬ما الذي أتى بها إلى هنا؟!‬
‫ربما ِمن المعسكر أو ِمن قرية قريبة ُد ِّم َرت‪ ،‬وقبل‬                                                                ‫عزيزي جاكي‪:‬‬
‫أ ْن أق ِّر َر ما الذي سأفعله هبط النسر‪ ،‬أسود وأصلع‬                               ‫لا أستطي ُع الحضور‪َ ..‬ت َسلَّم الجائزة أو التكريم بد ًل‬
‫العنق والرأس‪ ،‬عيناه بلون الدم‪ ،‬رائحته الزنخة‬
                                                                                                                            ‫َعنِّي‪.‬‬
‫كانت تصلني وأنا على هذا البعد‪ ،‬وقف بلا مبالاة‬
  ‫ُق ْر َب الصغيرة َي ْف ِر ُك ريش جناحيه بمنقاره‪ ،‬لم‬
‫أ َح ِّرك ساكنًا‪ ،‬بل لم أفكر حتى في التح ُرك‪ُ ،‬م َص ِّور‬                                    ‫من ‪:Jackie.Rbneyo@hotmail.com‬‬
‫الحيوانات البرية بداخلي تحفز واِستفاق‪ ،‬ضميري‬                                                        ‫إلى ‪:charli55@hotmail.com‬‬

‫الإنساني لم يكن موجو ًدا‪ ،‬ربما تركته في ساحات‬                                     ‫تشارلي ماذا حل بك يا رجل؟ أخبرني لماذا ُعد َت إلى‬
‫الجامعة عندما كن ُت نصي ًرا لضحايا أفريقيا!‬                                                        ‫الوطن‪ ،‬واستقل َت ِمن الصحيفة؟!‬

‫الطفلة أخذ ْت تزحف ببطء وأنينها يتزايد‪ ،‬لم تكن‬                                    ‫من ‪:charli55@hotmail.com‬‬
  ‫تبكي‪ ،‬أعتقد أ َّن حلقها كان جا ًّفا‪ ،‬كان ْت تصدر‬
‫صو ًتا شبي ًها باحتكاك مفاصل باب صدئة‪ ،‬أشعل ُت‬                                    ‫إلى ‪:Jackie.Rbneyo@hotmail.com‬‬

                                                                                                            ‫عزيزي جاكي‪:‬‬
‫كاميرتي‪ ،‬وبدأ ُت العمل‪ ..‬نصف ساعة أو أكثر‬                                         ‫كما عهد ُتك دقيق كساع ٍة لا تخرب‪ ..‬فإذن أنت الآن‬
 ‫قلي ًل وهمد ْت الطفلة تما ًما‪ ،‬فتق َّدم النسر وأعمل‬                              ‫في َم ْي َدان السلة مرتد ًيا فنيلة «نيويورك نكس”‪ ،‬ولن‬
‫في جسدها تقطي ًعا‪ ،‬لم يكن ُم َبالِيًا بوجودي كأ َّننِي‬                            ‫تقرأ رسالتي إلا بعد ثلاث ساعات على الأقل‪ ،‬وقتها‬
‫شب ٌح‪ ،‬صوت مخالبه‪ ،‬احتكاك منقاره بعظامها‬                                          ‫لن أكون هنا‪ ،‬ربما ستبكي‪ ،‬أرجو أ ْن تبكي ِمن أجلي‬
‫وتهشمها‪ ،‬رائحة الدم‪ ،‬كان الأمر جد بش ًعا‪ ..‬لكنني‬                                  ‫يا صديقي‪ ،‬لا أظن أ َّن هذا العالم المقيت سيذكرني‪.‬‬
‫اكتفي ُت بعملي فقط‪ِ ،‬مائة صورة‪َ ،‬من المخبول الذي‬                                    ‫نحن تعيسون‪ ،‬جميعنا‪ ،‬إِلا َأ َّنني صاحب ال ُج ْرم؛‬
                        ‫يمكن أ ْن يفعل فعلتي؟!‬                                                              ‫ولذا أنا الذي أعاني‪..‬‬
   ‫هرب ُت ِمن دارفور‪ ،‬ولذ ُت بموطني‪ ،‬لكن النسر‬
‫أتى معي‪ ،‬أراه ِف ُك ِّل مكان‪ ،‬يص ِّفر ويفرك ريشه‪،‬‬                                 ‫الأموال‪ ،‬فلاشات الكاميرات‪ ،‬هتافات المعجبين‪،‬‬
‫يطالعني بنظر ٍة نارية‪ ،‬وأنين الطفلة في عقلي يدوي‬                                  ‫كل شيء مر كدوا ٍء لا يشفي‪ ..‬أنا منز ٍو منذ ثلاثة‬

  ‫كألف طب ٍل‪ ،‬لم أرها أب ًدا لكنني أسمعها دو ًما‪.‬‬                                 ‫أشهر‪ ،‬قاطع ُت حتى نور الشمس‪ ،‬الكوابيس لا‬
‫جاكي‪ ..‬أناش ُد َك بالمسيح أ ْن تنشر رسالتي هذه‪،‬‬                                   ‫تتوقف‪ ،‬وطبيبي النفسي وقف عاج ًزا عن م ِّد يد‬
                                                                                                                                        ‫العون لي‪.‬‬

‫د ِع المساكين يعلمون بقبحي‪ ،‬نشرتم صورة‬                                            ‫عندما لجأ ُت إليه أول مرة أجلسني على الأريكة‬
‫واحدة‪ ،‬الأولى فقط‪ ،‬وأخفيتم البقية‪ .‬سأذهب حا ًل‬                                    ‫الناعمة كفرو ثعلب‪ ،‬وبدأ ُت أروي له الأمر‪ ،‬الرجل‬
‫روسايحديبافيرهك َ”ع‪.‬لَّ‪.‬نِ أُيحأُ ْبُّبَع ذثاك‬
                                                ‫«ريفير‬       ‫إلى مرتع صبانا‪،‬‬      ‫لم يحتمل‪ ،‬أطلق أمامي حمض معدته‪ ..‬تأسف وبدأ‬
                                                ‫ُت ْق َب َض‬  ‫المكان وأرغ ُب أ ْن‬  ‫ي َه ِّون عليَّ الأمر‪ ،‬لكن هيهات‪ ..‬معدته كانت أصدق‬
‫طف ًل؛ فيغفر لي الله‪ ..‬سأوصل عادم سيارتي بداخل‬                                                                       ‫ِمن لسانه!‬

‫القمرة وأشعل المحرك‪ ،‬وأنتظر على أصداء «أضيئوا‬                                     ‫أنت تعلم التفاصيل لكن سأرويها ثانية للتأكيد على‬
‫الظلام” لبوب مارلي‪ُ ،‬ي َقال إ َّن استنشاق أول أكسيد‬
                                                                                   ‫وأخذ ُت أتج َّو ُل خارج‬  ‫بشاعة الأمر‪:‬‬
                                                                                  ‫حول البعثة التي تو ِّزع‬
‫الكربون يؤدي إلى موت بطيء‪ ،‬صداع‪ ،‬غثيان‪،‬‬                                                                     ‫َعج َلنَب ُةمارلانافق َّسي‬  ‫‪ -‬ابتعد ُت‬
                                                                                                                                        ‫المعسكر‪..‬‬
‫تقيؤ‪ ،‬آلام صدر حادة‪ ،‬تشويش‪ ،‬إغماءة؛ فموت‪.‬‬
‫أريده عذا ًبا بطيئًا عساني أنجو ِمن العذاب الأبد ِّي‪.‬‬
                                                                                  ‫الغذاء آخذة في التلاشي عن أسماعي‪ ..‬ساقتني‬
                                                                                  ‫قدماي بعي ًدا‪ ،‬بعي ًدا ج ًّدا‪ ..‬وكاميراتي تتدلى ِمن‬
                                                ‫وليكن الرب ب َّي رحي ًما‪.‬‬         ‫عنقي كمسابحهم التي يذكرون بها ربهم‪ ،‬وعندها‬
                                                       ‫التعس تشارلي‪.‬‬
   98   99   100   101   102   103   104   105   106   107   108