Page 105 - merit 52
P. 105

‫‪103‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

     ‫قصــة‬

  ‫المغارة بكومة البارباريس الشائكة‪ ،‬تهرو ُل قدما ِك‬         ‫صدري يا عزيزة وتخرج منها أبخر ٌة حمراء‬
 ‫باضطراب‪ِ ،‬ح َجابك يضغط رئتيك‪ ،‬تعتصر جدرانك‬               ‫وصفراء وأشرط ٌة ملونة‪ ،‬أضحك أنا كالمجنون‪.‬‬
  ‫ميرا‪ ،‬قلبك ينفلت عن ضرباته‪ ،‬تقتح ُم أنف ِك روائح‬       ‫قل ِت مازح ًة بصو ٍت فاتر‪ :‬كانوا يحتفون بإبادتنا‬

    ‫عديدة‪ ،‬تتسع فتحتاه ثم تنكمشان بفزع‪ ،‬هلعك‬                                                 ‫بالتأكيد‪.‬‬
    ‫الوحيد أن يكون إسماعيل والولدان هنا‪ ،‬تقفين‬        ‫اعترك يونس وسعيد بين حضنيكما‪ ،‬فاجأت ِك قبض ُة‬
    ‫بين الرؤوس المتسلخة تتبينين ملامحها‪ ،‬الرماد‬
 ‫والرمل نسفا جميع الملامح‪ ،‬الأغصان التي ُج ِم َع ْت‬   ‫يونس الصغيرة وهي تفرد سبابتها ووسطاها‪ ،‬قال‬
‫للطبخ تحولت إلى ذر في الهواء‪ ،‬إسماعيل ينكفئ على‬         ‫يونس لأخيه‪ :‬بيو بيو‪ ..‬قتلتك‪ ،‬لا تتحرك‪َ .‬ص َف َع ْت ُه‬
 ‫ابنيه‪ ،‬عيناه تحدقان في فرا ٍغ هائ ٍل أوله هنا وآخره‬                           ‫كف إسماعيل بارتعاش‪.‬‬
  ‫الخرطوم‪ ،‬تنزلقان إلى الداخل وتستقران في مكا ٍن‬           ‫الدخان يعر ُج كأسطور ٍة مبتعثة‪ ،‬الظلام يخنق‬
 ‫ما في تلك الجمجمة الصغيرة‪ ،‬سعيد يغم ُض عينيه‬               ‫اللهب‪ ،‬أشجار التبلدي تتقد وتتهاوى كنيازك‬
 ‫بخشوع‪ ،‬يونس بين ذرا َعي إسماعيل‪ ،‬تبدو جثثهم‬
      ‫كأنها ُنحتت من الصخر والدم وكلهم يميلون‬          ‫راجمة‪ ،‬ثم‪ُ ..‬بم‪ُ ،‬ب ُبم‪ُ ،‬دم‪ ،‬يتلون الأفق بلون النهار‪،‬‬
  ‫بأجسادهم نحو الأرض‪ ،‬تطبقين جفني ِك بقوة على‬            ‫ينطلق من الغابة ُشعا ٌع باه ٌر يدحر قبضة الليل‪،‬‬
    ‫أمل أن تفيقي من كوابي َس سريالية‪ ،‬تفتحينهما‬              ‫بين الغبار والدخان وطقطقات التبلدي تطير‬
     ‫على اتساعهما‪ ،‬تنقض الحقيقة عليهما وتفتر ُس‬         ‫الغزلان والأرانب نافق ًة وترتطم بالأرض مشوية‪،‬‬
                                                           ‫تشدين ساقي ِك‪ ،‬تنتعلين الهلع‪ ،‬تنسين مواربة‬
                         ‫إنسانيهما‪ ،‬تغمضينهما‪..‬‬
  ‫تفتحينهما‪ ،‬ها أن ِت داخل سيارة الجيب مع أخيك‪،‬‬

        ‫تشقان الرمل والصحارى وشجيرات الأثل‬
‫والحنظل‪ ،‬لا تأبهين لجوعك أو لعطشك‪ ،‬تتكور ميرا‬

    ‫داخلك بهدو ٍء سابح ًة في ذل َك السائل الدافئ‪ ،‬لا‬
‫تتبادلين الحديث مع أخيك ولا يسأ ُلك عن التفاصيل‬

     ‫ولا يخبرك بحقيقة وجهتكم بعي ًدا عن فردوس‬
   ‫الخرطوم الكاذب‪ ،‬تطلبين منه أن يتوقف فيفعل‪،‬‬
   ‫تنزلين من المقعد الأمامي بصعوبة‪ ،‬يسألك‪ :‬ماذا‬

     ‫تريدين؟ تفتحين باب المقاعد الخلفية‪ ،‬تستلقين‬
 ‫بطولك‪ ،‬تقولين بصو ٍت مشروخ‪ :‬النوم‪ ..‬أريد نو ًما‬

  ‫طوي ًل‪ .‬تنامين‪ ،‬تضج داخل رأس ِك عبارا ٌت كثيرة‬
 ‫يتردد صداها في جرابك اللحمي اللذي يطوق ميرا‪:‬‬

  ‫الخرطوم كبير ٌة ج ًّدا يا إسماعيل وأنا أخافها‪ .‬كل‬
    ‫شيء سيكون تما ًما يا عزيزة‪ ،‬ولا تن َسي‪ ،‬أنا لم‬
    ‫أ ُمت بعد‪ .‬سعيد مهندس‪ ..‬ميرا دكتورة‪ ..‬يونس‬

      ‫تاجر‪ ..‬لالا‪ ..‬لن نسكن الخرطوم‪ ..‬المعسكر يا‬
      ‫إسماعيل‪ ..‬أمدرمان يا عزيزة‪ ..‬لا أريد سوى‬
  ‫النوم‪ ..‬سنسكن مع أخيك‪ ..‬ولا حتى في الأحلام‪..‬‬
  ‫سنذهب للحدائق‪ ..‬يونس تاجر‪ ..‬مهندس‪ ..‬يونـ‪..‬‬

                                     ‫ُبم ُب ُبم ُدم‪.‬‬
      ‫ويعيد شريط ذاكرتك ذات العبارات على طول‬

                            ‫الطريق‪ ،‬مدى الحياة‪.‬‬
   100   101   102   103   104   105   106   107   108   109   110