Page 104 - merit 52
P. 104

‫العـدد ‪52‬‬                                        ‫‪102‬‬

                                                                ‫أبريل ‪٢٠٢3‬‬

‫مصطفى خالد مصطفى‬

‫(السودان)‬

‫إذا تلون الأفق بلون النهار‬

    ‫تنتشرفي الفضاء غلالة ضو ٍء تقهر حلكة الليل‪،‬‬        ‫“عوى الذئ ُب‬
     ‫تنتفخ عروقك‪ ،‬تقومين على طولك بجهد‪ ،‬ميرا‬           ‫فاستأنس ُت للذئ ِب إذ عوى‬
     ‫تكبر بسرعة وتضايقك‪ ،‬تتشوق للحياة ويجب‬             ‫وص َّو َت إنسا ٌن فكدت أطي ُر!»‬
    ‫أن تستقبلها في الخرطوم‪ ،‬هكذا أصر إسماعيل‪،‬‬          ‫الأحيمر السعدي‬
     ‫تقررين ألا تعملي بوصيته‪ ،‬مخاطر ٌة كبيرة أن‬
‫يذهب مع الولدين برفقة صديقيه للبحث عما يؤكل‬                                               ‫‪ُ -‬بم‪ُ ..‬ب ُب ُبم‪..‬‬
 ‫في هذا المكان وهذا الوقت‪ ،‬في مدخل المغارة تطرق‬        ‫يدهم ِك انفجا ُر البراميل التي باضتها الطائرة‪ ،‬تفزع‬
  ‫أذني ِك خشخش ُة قد ٍم على العشب اليابس‪ ،‬تظنينها‬
   ‫إسماعيل مع الولدين‪ ،‬لكن إسماعيل يصفق عند‬                ‫ميرا قبلك‪ ،‬ترتج المغارة كأنما ستنفل ُق عن سر‬
    ‫قدومه‪ ،‬تستعيذين بالله‪ ،‬تطوقين ميرا‪ ،‬تخافين‬         ‫هنا‪ ،‬ومن هنا تما ًما‪،‬‬  ‫أيلنع نبواملفِكأ ُرلمفيي ُكعنبكخ‪،‬فيم ًفان‬  ‫عظيم‪،‬‬
   ‫أن يكونوا هم‪ ،‬تسمعين َخ ْف َخف ًة ضاحكة‪ ،‬تنفرج‬         ‫كما كن ِت تدعين‪،‬‬                                               ‫يتضح‬
    ‫أساريرك‪ ،‬ويبتع ُد ضبع الخلاء الأرقط غائبًا في‬      ‫لو أنه كان كذلك لاستيقظ ِت منذ أن دخلت الطائرة‬

                                        ‫الظلام‪.‬‬        ‫حدو َد المنطقة‪ ،‬صو ُتها (طا ُر) شؤ ٍم متف ٌق عليه‪،‬‬
  ‫قال ل ِك ذات ليل ٍة ُمن ِسمة وأنتم على سطح المغارة‪:‬‬  ‫نذي ٌر للموت‪ ،‬أكثر الأحدا ِث ألف ًة في هذه البراري‬
‫‪ -‬الخرطوم لا تشبهنا‪ ،‬الأفضل أن نسكن أمدرمان‪.‬‬           ‫المحمومة‪ ،‬الضرور ُة العبثية غير الموقوتة‪ .‬يشق‬
                                                       ‫علي ِك تحمل الظلام والسخونة ويشق على ميرا‬
       ‫سألتِه‪ :‬ألن يسمع الأولاد صوت الأنتنوف؟‬
                         ‫‪ -‬ولا حتى في الأحلام‪.‬‬         ‫أي ًضا‪ ،‬تهتفين باسم يونس‪ ،‬ظل يشغل بالك مؤخ ًرا‬
                             ‫‪ -‬وكيف سنعيش؟‬             ‫بسبب مرضه‪ ،‬طلب ِت من إسماعيل ألا يشد عليه في‬

       ‫‪ -‬عزيزة‪ ،‬المهم خروجنا من هنا‪ ..‬بأي ثمن‪.‬‬         ‫الطريق‪ ،‬لكنه يرى أن القسوة هي الأفضل للولدين‬
     ‫عدد ِت له على أصابعك مصائر الأولاد‪ :‬يونس‬             ‫هنا‪ .‬تتذكرين‪ ،‬قال ل ِك‪ :‬ألي َس الخلاء خي ٌر من‬
                                                       ‫المعسكر؟ أجبتِه بانزعاج‪ :‬لا‪ ،‬المعسكر خير‪ ،‬هناك‬
            ‫دكتور‪ ،‬سعيد مهندس‪ ،‬وميرا أستاذة‪.‬‬           ‫مكان ننا ُم فيه‪ ،‬قال ل ِك‪ :‬الخرطوم أفضل يا ذكية‪..‬‬
‫قاطع ِك‪ :‬لالا‪ ،‬سعيد مهندس‪ ،‬يونس تاجر‪ ،‬عقله عقل‬         ‫الخرطوم هادئة وكبيرة‪ ،‬لن يعرفنا أحد ولا حتى‬
                                                       ‫الشيطان‪ ،‬أجبتِه‪ :‬المو ُت خي ٌر من الحياة في هذا المكان‬
                                 ‫سو ٍق مثل أبيه‪.‬‬       ‫يا إسماعيل‪ ،‬لكنه قال‪ :‬هذه المغارة خير من الموت في‬
‫ووضع كفه على بطن ِك المكور وقال‪ :‬وميرا دكتورة‪.‬‬
                                                       ‫المعسكر يا عزيزة‪ ،‬كلها يومان أو ثلاثة‪ ،‬يصل إلينا‬
    ‫با َس رأس ِك‪ ،‬رقد ِت في حضنه مع الولدين‪ ،‬رغم‬
   ‫هزاله احتواكم بصد ٍر دافئ‪ ،‬قال ل ِك‪ :‬رأي ُت حل ًما‬  ‫أخوك من الخرطوم ونذهب معه‪ ،‬لو أنني أعرف‬
  ‫غريبًا‪ ،‬جندي يصوب نحوي سلا َحه‪ ،‬لا يتردد في‬
  ‫إطلاق النار َع َلَّ‪ ،‬تندفع رصاصته نحوي بسرع ٍة‬       ‫الطريق لمشي ُت إليها مشيًا‪ .‬هناك لا أحد يفكر بأحد‪،‬‬
                                                       ‫لن نستيقظ على صوت الأنتنوف‪ ،‬سنذهب للحدائق‬
     ‫رهيبة‪ ،‬أستطيع متابعتها من فوهة السلاح إلى‬
  ‫أن تصل إلى صدري‪ ،‬وهناك‪ ،‬تخيلي‪ ،‬تنفجر قرب‬             ‫والمتنزهات‪ ،‬سيدخل أولادنا المدرسة‪ ،‬اصبري فقط‪.‬‬

                                                                                        ‫‪ُ -‬بم‪ُ ..‬ب ُبم‬
   99   100   101   102   103   104   105   106   107   108   109