Page 214 - merit 36- dec 2021
P. 214

‫"ملامح العابرين" هي مصدر‬
                          ‫إلهام الشاعر الذي يقطف الشعر‬

                                  ‫منها‪ ،‬أو يسقط في حجره‬
                             ‫طواعية كأنه الثمرة الناضجة‪،‬‬
                          ‫مما يجعل شعر داود يبدو وكأنه‬

                                 ‫كتابة عفوية لا أثر للصنعة‬
                          ‫فيها‪ ،‬يكفي أن يمد الشاعر كفه‬

                             ‫ليقطفها من ملامح العابرين‪،‬‬
                              ‫ومن علامات استبطانه لذاته‪،‬‬

                                ‫تصويره لحالاتها المختلفة‪.‬‬

 ‫وتتابع الفصول بالزمن‪،‬‬        ‫يمشي الناس في رأسك‬               ‫الموجة الثالثة صغيرة‪:‬‬
 ‫ففي سطور قليلة نشهد‬                     ‫وأنت نائم‬            ‫مجرد البقاء‪ ،‬والشعور‬
  ‫تتابع الشتاء والخريف‬                                      ‫بالانتماء‪ ،‬وأصبح ما كان‬
                               ‫ويكون الزمن عجو ًزا‬          ‫يستهوله شاعر مثل أحمد‬
   ‫والصيف حين يقول‪:‬‬                     ‫يسكن معك‬           ‫عبد المعطي حجازي من أن‬
   ‫«كانت الشرفة المقابلة‬                                 ‫يصاب بالجنون‪ ،‬ويمشي في‬
    ‫مغلقة طوال الشتاء»‪،‬‬    ‫يقاسمك الرطوبة ويسبقك‬          ‫الشوارع عار ًيا‪ ،‬أم ًرا عاد ًّيا‪،‬‬
‫«ذات خريف سمعت غنا ًء‬                    ‫إلى الشارع‬         ‫بل مرغو ًبا! يقول إبراهيم‬
                                                           ‫داود‪« :‬كنت أريد أن أمشي‬
                  ‫غريبًا‬       ‫قبل أن تغسل وجهك»‬         ‫عار ًيا في المكان»‪ ،‬بغض النظر‬
    ‫رج البناية المجاوزرة‬  ‫و»القمر»‪- ،‬وهو دال يتكرر‬       ‫أن يكون هذا المكان ضي ًقا أو‬
                                                          ‫مكا ًنا عا ًّما‪ ،‬وكأن الرغبة في‬
      ‫وشاهدت الصيف‬           ‫في هذا الديوان‪ -‬المرتبط‬     ‫التعري محاولة للخلاص من‬
 ‫يفرد جسده الشاسع في‬         ‫ظهوره بالزمن‪ ،‬لا يظهر‬        ‫كل ما يعيق الذات‪ ،‬أو يعلق‬
                           ‫كثي ًرا في المدينة‪ ،‬وإذا ظهر‬
        ‫شارعنا الضيق»‬        ‫في مرات قليلة فلا ينظر‬                             ‫بها‪.‬‬
   ‫وهذه الفصول ليست‬        ‫إليه أحد‪ ،‬يقول الشاعر في‬      ‫الزمن عجوز في هذا الديوان‪،‬‬
 ‫محايدة أو مجرد ظرف‬
    ‫زمان‪ ،‬بل تؤثر فيمن‬        ‫قصيدة «مكان القمر»‪:‬‬             ‫والعالم شاحب وهزيل‪،‬‬
   ‫وفيما حولها‪ ،‬فالشتاء‬              ‫«أنظر إلى القمر‬      ‫والأقمار التي كان يصحبها‬
‫شرفاته مغلقة‪ ،‬والخريف‬                                    ‫القروي معه إلى المدينة غابت‪.‬‬
  ‫غناؤه غريب‪ ،‬والصيف‬      ‫في المرات القليلة التي يكون‬
   ‫يفرد جسده الشاسع‬                           ‫هناك‬                       ‫يقول داود‪:‬‬
 ‫في الشوارع‪ ،‬الأمر الذي‬                                         ‫«في الأدوار الأرضية‬
 ‫يجعل الشاعر يستشعر‬           ‫في مدينتي الكبيرة قمر‬
                           ‫وأدعو الله أن يكون هناك‬

                                      ‫من ينظر إليه»‬
                            ‫كما ترتبط حركة الطبيعة‬
   209   210   211   212   213   214   215   216   217   218   219