Page 215 - merit 36- dec 2021
P. 215

‫‪213‬‬  ‫الملف الثقـافي‬

 ‫الثانية‪« :‬القاهرة» المنتظرة‬      ‫الأحداث الكبري يصبح‬         ‫الخطر كلما مر من هناك‪،‬‬
‫التي أصبحت العيون تري‬          ‫للزحام معني ووظيفة‪ ،‬أما‬       ‫ولا يخلو المكان من الدلالة‬
  ‫فيها بوضوح‪ ،‬وأصبحت‬          ‫في أيام الاستكانة والضعف‬        ‫الزمنية‪ ،‬فهو قرين الزمن‪،‬‬
                               ‫يصبح «هذا الزحام لاأحد‬      ‫خاصة الأماكن المتحركة مثل‬
     ‫اللغة «لا شحم فيها»‬                                   ‫القطارات‪ .‬يقول إبراهيم داود‬
   ‫بتعبيرات الشاعر‪ ،‬ومن‬          ‫كما كان يقول أحمد عبد‬
‫الطبيعي أن تصبح القاهرة‬        ‫المعطي حجازي‪ ،‬أو يصبح‬                  ‫على سبيل المثال‪:‬‬
‫رم ًزا لمصر كلها‪ ،‬وأن يختم‬                                           ‫«المودة لا قيمة لها‬
   ‫الشاعر القصيدة بقوله‪:‬‬           ‫حضور الآخرين غيا ًبا‬           ‫في الرحلات القصيرة‬
                              ‫مصدا ًقا لقول الشاعر «إني‬           ‫لأن القطارات تغيرت‬
        ‫«هنا أنت في مصر‬        ‫لأفتح عيني حين أفتحها‪/‬‬              ‫هي الأخري تغيرت»‬
           ‫أنت في القاهرة‬                                    ‫ويصدق الأمر على الأماكن‬
             ‫أنت في بيتك‬           ‫على كثير ولكن لاأري‬     ‫المغلقة كالحجرات‪ ،‬أو الأماكن‬
                              ‫أحدا»‪ .‬في الأحداث الكبرى‪/‬‬     ‫المفتوحة كالشوارع‪ ،‬من هذا‬
       ‫في ملاعب طفولتك‬                                         ‫البعد الزمني‪ ،‬كما أخذت‬
           ‫أنت مع نفسك‬             ‫الثورات‪ /‬الانتفاضات‬       ‫بعض الأماكن دلالة رمزية‬
                                   ‫الكبيرة نصبح أمام ما‬          ‫مثل ميدان التحرير في‬
‫ومع الذين سيبدأون الغناء‬         ‫يسميه «لوبون» ببطولة‬       ‫رمزيته على ثورة ‪ 25‬يناير‪،‬‬
                   ‫معك»‬          ‫الجماهير وسيكلوجيتهم‬         ‫ولهذا يكتفي إبراهيم داود‬
                               ‫التي تتعالي على الخلافات‪،‬‬   ‫بعنونة قصيدته بهذا العنوان‬
  ‫ولعلنا نلاحظ التدرج من‬        ‫ويصبح «الكل في واحد»‪:‬‬        ‫«من التحرير»‪ ،‬معتم ًدا على‬
‫الاتساع ‪-‬مصر كلها‪ -‬إلى‬                                     ‫ذاكرة المتلقي التي تستحضر‬
                                                  ‫حيث‪:‬‬        ‫أحداث الثورة التي جمعت‬
     ‫ما هو حميمي صغير‬                         ‫«كلهم هنا‬    ‫أطياف الشعب المصري حيث‬
  ‫‪-‬البيت‪ ،-‬بل النفس التي‬         ‫يحملون بداخلهم نداءات‬
                                            ‫كانت مكبلة‬                           ‫كان‪:‬‬
    ‫ينضم غناؤها إلى غناء‬         ‫والمناضلون القدامي هنا‬                     ‫«كلهم هنا‬
                ‫الآخرين‪.‬‬              ‫يتممون على أيامهم‬                 ‫الذي كان يحلم‬
                                  ‫والذين اختلفوا في أول‬               ‫والذي كان نائ ًما‬
 ‫وفي قصيدة «مكان للقمر»‬                                     ‫والذي فاتته صلاة الجماعة‬
 ‫يتحول ميدان التحرير إلى‬                          ‫العمر‬     ‫والذي اكتشف صوته فجأة‬
                              ‫اتفقوا على الخطوة القادمة»‬                     ‫‪/.. /.. /‬‬
   ‫ميادين يتحسر الشاعر‬         ‫ويتحدد ‪-‬في هذا السياق‪-‬‬      ‫والذي ترك أمراضه على أول‬
   ‫أننا تركناها سري ًعا قبل‬                                   ‫الجسر ليسترد عافيته في‬
  ‫زرع أشجارنا‪ ،‬والرجوع‬             ‫معني العنوان «أنت في‬
‫إلى أطفالنا بالغين‪ ،‬لكنه في‬        ‫القاهرة»‪ ،‬بعد أن كان‬                       ‫الزحام»‬
   ‫قصيدة أخري يؤكد أنه‬        ‫مزدوج الدلالة‪ ،‬لا تعرف إن‬         ‫الإنسان فر ًدا يستشعر‬
  ‫‪-‬أي الطاغية‪« -‬سيسقط‬          ‫كان رف ًضا للقاهرة التي لا‬     ‫الأمراض‪ ،‬تثقل عليه‪ ،‬لكنه‬
 ‫لاشك‪ /‬سيسقطون‪ /‬لأن‬           ‫ينظر فيها أحد إلى «القمر»‪،‬‬      ‫وسط الزحام يتعافي منها‪،‬‬
                                 ‫وتشيع فيها الوحدة‪ ،‬أم‬      ‫يصبح شخ ًصا آخر‪ ،‬في هذه‬
       ‫الله يحب الطيبين»‪.‬‬     ‫انتماء للقاهرة التي ينتظرها‬
  ‫إن شعرية إبراهيم داود‬         ‫الشاعر‪ :‬قاهرة المناضلين‬
  ‫تصطاد العالم من خلال‬             ‫القدامي ضد الطاغية‪..‬‬
  ‫تفاصيله الصغيرة‪ ،‬وهذا‬          ‫الدلالة المرشحة هنا هي‬
   ‫هو التحدي الذي يواجه‬
‫الشاعر‪ ،‬وسر شاعريته في‬

              ‫وقت واحد‬
   210   211   212   213   214   215   216   217   218   219   220