Page 217 - merit 36- dec 2021
P. 217

‫‪215‬‬  ‫الملف الثقـافي‬

   ‫اللغة والوعي‬                      ‫جمالياتها‪ ،‬وانتهاء بما‬            ‫المجازية الخارقة»(‪.)6‬‬
      ‫الجمالي‬                    ‫كرسته من جماليات تعتمد‬           ‫وقد انفتحت قصيدة النثر‬

 ‫ينظر شعراء قصيدة النثر‬             ‫على الاختزال والتكثيف‬            ‫على الكثير من الحقول‬
‫إلى اللغة الشعرية بوصفها‪،‬‬        ‫والمفارقة والصور البلاغية‬       ‫المعرفية‪ ،‬الفلسفية والفكرية‬

   ‫أداة خلق وابداع‪ ،‬وليس‬             ‫المغايرة لجزئية صور‬            ‫والتاريخية‪ ،‬وأفادت من‬
 ‫أداة تعبير‪ ،‬فالكلمات فيها‬            ‫القصيدة الكلاسيكية‪،‬‬        ‫السينما والفنون البصرية؛‬
                                ‫واللغة التي تحولت وظيفتها‬       ‫مما جعلها تنشغل بحمولات‬
   ‫تعبر عن معان أكثر من‬               ‫من مجرد التعبير إلى‬
  ‫معانيها الحرفية‪ ،‬فتصير‬        ‫الإيحاء والإضمار والكشف‬            ‫فلسفية وفنية أكثر عم ًقا‬
                                                                  ‫مما كانت تقدمة الشعرية‬
   ‫وظيفتها أوسع وأعمق‪،‬‬                           ‫والدلالة‪.‬‬          ‫الكلاسيكية‪ ،‬فهي جنس‬
  ‫وتوحي وتشير أكثر مما‬             ‫وفي هذه الورقة البحثية‬        ‫عابر للأنواع بحسب بعض‬
                                 ‫سوف نحاول قراءة ديوان‬
     ‫تعبر؛ فهي لغة كشف‬              ‫أحد أهم شعراء قصيدة‬                           ‫النقاد(‪.)7‬‬
‫وتساؤل‪ ،‬كما أنها «وسيلة‬         ‫النثر في مصر‪ ،‬وهو الشاعر‬           ‫وقد قطعت قصيدة النثر‬
 ‫استبطان واكتشاف‪ .‬ومن‬             ‫إبراهيم داود الذي ينتمي‬      ‫عقو ًدا من الصراع والجمالية‪،‬‬
                                 ‫جيليًّا إلى جيل الثمانينيات‪.‬‬       ‫الصراع الوجودي الذي‬
    ‫غاياتها الأولى أن تثير‬       ‫وديوانه محل الدراسة هو‬        ‫خاضته لإثبات أحقية الوجود‬
    ‫وتحرك‪ ،‬وتهز الأعماق‬             ‫«أنت في القاهرة» الذي‬       ‫بد ًءا من العنوان الذي يعتمد‬
   ‫وتفتح أبواب الاستباق‪،‬‬          ‫صدر عن دار ميريت عام‬            ‫بنية المفارقة (شعر‪ /‬نثر)‬
     ‫[‪ ]..‬إنها تيار تحولات‬                                           ‫التي ستصير جز ًءا من‬
   ‫يغمرنا بإيحائه وإيقاعه‬                          ‫‪.2015‬‬
    ‫وبعده‪ .‬هذه اللغة فعل‪،‬‬         ‫وسوف تتضمن الدراسة‬
 ‫نواة حركة‪ ،‬خزان طاقات‪.‬‬           ‫قراءة في الخطاب الجمالي‬
     ‫والكلمة فيها أكثر من‬
  ‫حروفها وموسيقاها‪ .‬لها‬               ‫والرؤيوي لداود‪ ،‬كما‬
   ‫وراء حروفها ومقاطعها‬           ‫تكشف ملامح مرحلة من‬
  ‫دم خاص ودورة حياتية‬            ‫مراحل تطور قصيدة النثر‬
  ‫خاصة‪ .‬فهي كيان يكمن‬
‫جوهره في دمه لا في جلده‪.‬‬                         ‫المصرية‪.‬‬
‫وطبيعي أن تكون اللغة هنا‬

      ‫إيحا ًء لا إيضا ًحا»(‪.)8‬‬
     ‫كما أن اللغة الإبداعية‬
    ‫في «قصيدة النثر» لغة‬
    ‫التفاصيل‪ ،‬التي نتمكن‬
 ‫من خلالها من استنهاض‬
 ‫الهامش والمهمل والمقصى‬
 ‫في دواخل الذات الشاعرة؛‬
    ‫سعيًا لسبر أغوار هذه‬
    ‫الذات ومعرفة همومها‬

               ‫وتعاستها‪.‬‬
    ‫فما مدى وعي إبراهيم‬
   212   213   214   215   216   217   218   219   220   221   222