Page 218 - merit 36- dec 2021
P. 218

‫العـدد ‪36‬‬          ‫‪216‬‬

                                                            ‫ديسمبر ‪٢٠٢1‬‬     ‫داود بالمفردة الشعرية في‬
                                                                             ‫ديوان «أنت في القاهرة»؟‬
‫وطفل يصرخ طوال الوقت‬                          ‫سنوات»‪.‬‬                      ‫وهل تمكن من استخدامها‬
              ‫في مكان ما‬           ‫إنه يحاول أن يقبض‬                       ‫باشتراطاتها الجمالية التي‬
            ‫وألم في الكلى‬       ‫على تفاصيل المكان الذي‬                   ‫حددها منظرو قصيدة النثر؟‬
                                   ‫هو العتبة الأولى لهذا‬                      ‫في القصيدة الأولى التي‬
       ‫واحتقان في الحلق‬         ‫النص «أنت في القاهرة»‪،‬‬                   ‫يفتتح بها الديوان‪« ،‬منازل»‪،‬‬
‫وكان الشتاء امرأة سمينة‬       ‫فـ»الأنت» كمتعين مرادف‬                         ‫يستخدم الشاعر مرادف‬
                               ‫للذات الشاعرة‪ ،‬تتموضع‬                     ‫منازل «في الأدوار الأرضية»‪،‬‬
                  ‫ثرثارة‬      ‫في مكان متعين «القاهرة»‪،‬‬                       ‫لنرى معه تموضع الذات‬
    ‫معك في مكان ضيق‪..‬‬                                                        ‫الشاعرة في هذه المنازل‪،‬‬
                                         ‫تسع سنوات‪:‬‬                         ‫وتماهي الخاص بالعام في‬
                      ‫‪...‬‬         ‫«لم أفتح شبا ًكا واح ًدا‬                ‫رؤيتها للعالم‪ ،‬نرى عبر لغة‬
 ‫كنت أريد أن أمشي عار ًيا‬                                                 ‫غير مسرفة في المجاز‪ ،‬تميل‬
                                              ‫في جدار‬                    ‫إلى الدلالة المكثفة‪ ،‬دلالة الفقد‬
      ‫في المكان» (ص‪.)11‬‬      ‫ولم تدخل الشمس في فرجة‬                         ‫والعجز والترهل‪ ،‬في جمل‬
    ‫في ذات القصيدة التي‬                                                      ‫شديدة الاقتصاد‪ ،‬نتمكن‬
   ‫يقسمها لمقاطع متعددة‬                        ‫الباب»‪.‬‬                    ‫من خلالها تخيل علاقة الأنا‬
   ‫يكشف عن وعيه بتخلي‬           ‫إن اللغة في قصيدة النثر‬                   ‫بالآخر‪ ،‬يقول‪ ،‬معرفة تاريخ‬
   ‫إجناسية القصيدة التي‬      ‫هي رهان جمالي ببعدها عن‬                     ‫الذات مع كل ما هو خارجها‪:‬‬
     ‫يكتبها‪ ،‬عن «الإيقاع»‬       ‫المجاز القديم وحمولاته‪،‬‬
‫الذي كان ميزة من ميزات‬          ‫واقترابها من لغة الحياة‬                         ‫«في الأدوار الأرضية‬
‫قصيدة التفعيلة والقصيدة‬        ‫اليومية‪ ،‬ومحافظتها ‪-‬في‬                         ‫يمشي الناس في رأسك‬
  ‫العمودية‪ ،‬ثمة وعي بأن‬          ‫ذات الوقت‪ -‬على بلاغة‬
    ‫الإيقاع كان عائ ًقا عن‬      ‫خاصة تنتج عن المفارقة‬                                    ‫وأنت نائم‪..‬‬
  ‫جمالية المفردة الشعرية‪،‬‬                                                                      ‫(‪)...‬‬
 ‫وهو ما حاول تحقيقه في‬            ‫أو الكثافة والاختزال‪،‬‬
                              ‫وتتسم بأنها «لغة شفافة»‬                            ‫في الأدوار الأرضية‬
             ‫نصه الماثل‪:‬‬                                                  ‫تطل عليك ‪-‬وأنت بمفردك‪-‬‬
            ‫«في الصباح‪:‬‬         ‫كما يسميها بلانشو؛ لذا‬
 ‫في الصباحات التي كانت‬        ‫يفارق داود اللغة الشعرية‬                                 ‫أشجار هزيلة‬
             ‫الوحدة فيها‬      ‫في جزالتها وفخامتها‪ ،‬لغة‬                         ‫تطالبك بأن تتعامل مع‬

              ‫ضرورية‪..‬‬           ‫قصيدة التفعيلة المحملة‬                                      ‫الوحدة‬
            ‫وكان الإيقاع‬          ‫بحمولات أيديولوجية‬                                ‫برفق‪( »..‬ص‪.)8‬‬
       ‫عائقا‪ ..‬أمام الغناء»‬                                                 ‫يكرر الكاتب جم ًل بعينها‪،‬‬
                               ‫ورؤى كلية‪ ،‬إلى لغة أكثر‬                      ‫وهي بمثابة مفتتح لمقاطع‬
               ‫(ص‪.)14‬‬          ‫تق ُّش ًفا‪ ،‬بل تقترب من لغة‬                    ‫شعرية‪ ،‬يمثل كل مقطع‬
    ‫ينتهي المقطع دون أن‬      ‫الحياة اليومية‪ ،‬لا يروم من‬                     ‫مرحلة من مراحل صراع‬
‫يخبرنا ماذا يحدث في ذلك‬      ‫خلالها إلا أن يلمس مواجع‬                       ‫الذات مع ما هو خارجها‪،‬‬
 ‫الصباح الذي كان الإيقاع‬        ‫الذات الشعرية وعلاقتها‬                        ‫الزمن‪ /‬المكان‪ /‬الناس؛‬
  ‫عائقا أمام الغناء‪ ،‬وكأنه‬    ‫بالذوات الأخرى خارجها‪،‬‬                            ‫لنكتشف معه علاقته‬
 ‫يترك لنا مساحة من دور‬        ‫فيظل يقارب صراع الذات‬                          ‫بزمكانية النص‪ :‬مثل «في‬
‫ملء فراغات النص وإكمال‬                                                      ‫الأدوار الأرضية» و»تسع‬
    ‫المعنى‪ ،‬فيصير المتلقي‬         ‫في زمكانية متعينة من‬
‫مشار ًكا في صناعة الدلالة‪.‬‬    ‫أجل أن يكشف عن مراجل‬

       ‫في القصيدة الأولى‬                       ‫وجعها‪:‬‬
  ‫«منازل» التي قسمها إلى‬             ‫«كان قفل أكبر من‬

                                       ‫محتويات الغرفة‬
   213   214   215   216   217   218   219   220   221   222   223