Page 219 - merit 36- dec 2021
P. 219

‫‪217‬‬            ‫الملف الثقـافي‬

‫أندريه بروتون‬  ‫سوزان برنار‬     ‫موريس بلانشو‬                    ‫شذرات شعرية متوالية‪،‬‬
                                                                ‫يمسك بتفاصيل المنازل‪،‬‬
  ‫واستبطان دواخلها‪ ،‬إنما‬         ‫لصراع الإنسان داخل‬         ‫بداية من «الأدوار الأرضية»‬
    ‫تعي ما يمثله المكان في‬   ‫المكان والزمان‪ ،‬بدأ بالمكان‬   ‫مرورا بـ»محتويات الغرفة»‪،‬‬
   ‫الإبداع الشعري‪ ،‬حيث‬                                       ‫و»الشرفة المقابلة»‪ ،‬و»ستة‬
    ‫إن «الذكريات ساكنة‪،‬‬        ‫الأصغر والأكثر حميمية‬
                                 ‫«منازل»‪ ،‬رغم تنكيرها‬             ‫أدوار ونصف»‪ ،‬يكمل‬
 ‫كلما كان ارتباطها بالمكان‬         ‫وتعميمها‪ ،‬إلا أنه في‬        ‫الدائرة بالشق الآخر من‬
 ‫أكثر تأكي ًدا كلما أصبحت‬                                     ‫الكرونوتوب (الزمكانية)‪،‬‬
 ‫أوضح‪ .‬إن وضع الذاكرة‬       ‫القصيدة الثانية يختار مكا ًنا‬   ‫فيبرز الزمان ليقيم جد ًل مع‬
                            ‫أقل حميمية‪ ،‬لكنه أكثر قر ًبا‬   ‫سرديات المكان الماضية‪ ،‬فيبدأ‬
   ‫في الزمن هو فعل كتاب‬                                       ‫بـ»في الصباح»‪ ،‬ثم «العام‬
 ‫السيرة‪ ،‬وهي تتوافق مع‬          ‫من الصراع العام الذي‬        ‫الجديد»‪ ،‬ومن ثم يعرج على‬
‫نوع من التاريخ الخارجي‪،‬‬     ‫تديره الذات الشاعرة حينما‬           ‫الأنا والآخر شاغلو هذه‬
                            ‫واجهتنا بعنوان رئيس «أنت‬         ‫الزمكانية‪ ،‬فيبدأ بـ»جيراني‬
      ‫لاستعمال خارجي‪،‬‬                                        ‫الطيبين»‪ ،‬و»المُ َّلك الجدد»‪،‬‬
      ‫يريد الكاتب نقله إلى‬     ‫في القاهرة»‪ ،‬إنه «أسوار‬     ‫وأخي ًرا ينهيها بالمقطع الثامن‬
                             ‫المدينة» في إشاراتها إلى ما‬    ‫الذي أتى بمثابة الكودا التي‬
            ‫الآخرين»(‪.)10‬‬    ‫يمثله المكان العام في دراما‬        ‫يغلق بها هذه الشذرات‬
   ‫يقول داود في قصيدته‬                                     ‫الشعرية المتوالية‪ ،‬ليقيم جد ًل‬
  ‫الثانية «أسوار مدينتي»‪:‬‬        ‫الصراع الذي تخوضه‬         ‫كليًّا مع جدلية الزمان والمكان‬
                                ‫الذات‪ ،‬التي هي «هنا في‬      ‫والإنسان‪ ،‬ينهيها بمقطع عن‬
          ‫«أسوار مدينتي‬                                    ‫«المودة لا قيمة لها»‪ ،‬ليخبرنا‬
        ‫ضاعت في المدينة‬          ‫القاهرة»‪ ،‬فالمكان «هو‬         ‫أن رحلة الإنسان في هذا‬
        ‫وصار على الناس‬        ‫حاضن الوجود الإنساني‬           ‫الصراع الزمكاني قصيرة‪،‬‬
       ‫أن يعبروا صامتين‬                                         ‫ولا تقيم و ًّدا ولا ُتن ِهض‬
       ‫ويصعدوا منازلهم‬             ‫وشرطه الرئيس»(‪.)9‬‬
     ‫على أطراف أصابعهم‬       ‫فالذاكرة البصرية الشعرية‬                           ‫حياة‪:‬‬
                                                                     ‫«المودة لا قيمة لها‬
                                 ‫التي تفيد من استعادة‬             ‫في الرحلات القصيرة‬
                            ‫المكان لتصوير أزمات الذات‬              ‫لأن القطارات تغيرت‬
                                                                    ‫هي الأخرى تغيرت‬

                                                                           ‫تأخذ الناس‬
                                                                    ‫إلى حيث لا يريدون‬
                                                               ‫والإيقاع الذي كان يمسد‬
                                                              ‫حياتهم كي يناموا اختفى‬
                                                               ‫وظهر جيران كثيرون في‬

                                                                                ‫السفر‬
                                                                       ‫ينتظرون نزولك‬
                                                             ‫في المحطة التالية» (ص‪.)19‬‬
                                                                 ‫ولأن الشاعر في كشفه‬
   214   215   216   217   218   219   220   221   222   223   224