Page 225 - merit 36- dec 2021
P. 225

‫‪223‬‬  ‫الملف الثقـافي‬

‫بين السطور‪ ،‬والتي يمكننا‬     ‫إلى الحضور السابق عليه‪،‬‬              ‫قصيدة‪ :‬لي ًل مضى‪:‬‬
     ‫النظر إليها باعتبارها‬     ‫يكون بمثابة حضور من‬                        ‫«لي ًل مضى‬

   ‫مساحات حرة‪ ،‬اختارت‬       ‫نوع آخر»(‪ ،)3‬ولغة (الغياب)‬         ‫وعلى ملامحه لمحت أبي‬
    ‫الصمت بحثًا عن حالة‬           ‫خاصة برؤية الشاعر‬         ‫كانت ملامحه سؤا ًل عاب ًرا‬
   ‫من السلام النفسي من‬                                       ‫ورمى على الوقت الغريب‬
  ‫ناحية‪ ،‬وتحريض المتلقي‬       ‫التي تمنح (صراع) الذات‬
  ‫على إثبات وجوده الفعلي‬        ‫الداخلي درجة عالية من‬                         ‫سؤاله‬
  ‫واكتشاف تحولاته دون‬           ‫الوضوح‪ ،‬وتخدم إبراز‬          ‫فتفتحت مدن تكلس أهلها‬
     ‫توجيه أو وصاية من‬          ‫السياق الكلي العام لهذا‬
‫ناحية أخرى‪ ،‬ولعل قصائد‬          ‫(الصراع)‪ ،‬ربما يمكننا‬          ‫وغدت ملامحهم غيا ًبا»‬
    ‫إبراهيم داود في ديوان‬       ‫من خلال ذلك النظر إلى‬         ‫كأن الماضي الذي أصبح‬
    ‫«ست محاولات» أشبه‬
 ‫بالإعلان الدائم عن جدلية‬    ‫حالة (الغياب) في القصائد‬             ‫(غائبًا)‪ ،‬قام الشاعر‬
‫(الاغتراب‪ /‬الغربة) أي ًضا‪،‬‬        ‫كهروب من الحاضر‪،‬‬              ‫باستحضاره عبر آلية‬
   ‫فعندما يقول في قصيدة‬          ‫اعتمد فيها الشاعر على‬       ‫(الاستدعاء)؛ ولأن الكلمة‬
                                                              ‫الأولى في الحياة النفسية‬
                 ‫«وجه»‪:‬‬        ‫(التصور) كآلية من أجل‬            ‫للشاعر هى (الغياب)‪،‬‬
    ‫«أريد مساحة خضراء‬       ‫سد فراغات (الغياب)؛ ولأن‬             ‫فالكلمة الأخيرة لفعل‬
                                                                ‫(التصور)‪(- ،‬تصور)‬
                 ‫للركض‪،‬‬         ‫لغة (الغياب) هى المبتدأ‬        ‫الشاعر لذاته‪ ،‬وللإبداع‪،‬‬
   ‫وأخرى لاصطياد فتاة‪..‬‬       ‫الذي تنطلق منه القصائد‪،‬‬          ‫وللعالم‪ -‬من خلال لغة‬
                              ‫وهى التي ُتبرز تصورات‬            ‫(الغياب) التي تجلت في‬
       ‫تحب الله والرقص‬       ‫الشاعر‪ ،‬ورؤيته للمستقبل‬          ‫الصور الشعرية المعقدة‪،‬‬
‫وتنهى عن محاذاتي لأني‪..‬‬                                       ‫المُحرضة دائ ًما على طرح‬
                                    ‫من خلال المفردات‬         ‫التساؤلات‪ ،‬وإبراز المخفي‬
            ‫دائ ًما وحدي»‬       ‫الانفعالية‪ ،‬التي تتنامى‬        ‫والتركيز عليه‪ ،‬وتغييب‬
  ‫(صراع) الشاعر هنا مع‬         ‫و ُتحيل المتلقي إلى العالم‬    ‫الظاهر من ناحية‪ ،‬وإقامة‬
                                ‫الخارجي الأكبر‪ ،‬كعالم‬        ‫علاقة مع (الآخر‪ /‬الظل)‬
    ‫(ذاته) التي تسعى إلى‬     ‫غير مكتمل الدلالة‪ ،‬فيدرك‬            ‫‪-‬من خلال استخدام‬
 ‫تجاوز (الوحدة النفسية)‬          ‫أن عليه التدخل الفاعل‬      ‫المفردات بدلالاتها المطبوعة‬
‫مرتبط بالدفاع المستمر عن‬     ‫لتوليدها‪ ،‬نرى في قصيدة‪:‬‬        ‫في ذهن المتلقي‪ -‬من ناحية‬
 ‫(الآخر) الذي يعاني أي ًضا‬      ‫إجازة‪ ،‬أن (التصور) في‬        ‫أخرى‪ ،‬فيقول في قصيدة‪:‬‬
                            ‫قول الشاعر «ويضحك حين‬
    ‫من بؤس الحال وأزمة‬       ‫يعد الجروح التي أرهقته‪/‬‬                   ‫الزمان البعيد‪:‬‬
      ‫المعرفة‪ ،‬ففي قصيدة‬         ‫ويرسم فوق الخطوط‬          ‫«كانت بلا ًدا‪ ،‬وكانت وسيعة‬
         ‫«وحشة»‪ ،‬يقول‪:‬‬       ‫التي سطرتها الهزيمة» ذو‬
                               ‫معنى‪ ،‬لكن حين تضاف‬             ‫وكان الذي بيننا خضرة‬
‫«آخر الأصدقاء مضى أول‬           ‫هذه الأبيات إلى‪« :‬والتي‬     ‫باتساع الصباح الذي يتقن‬
                    ‫الليل‬
                                   ‫شوهتها الفتوحات‪-‬‬                          ‫الصحو‬
         ‫ولا شىء يشبهه‬      ‫حمامة»‪ ،‬يبدأ عالم (الغياب)‬     ‫وكنا نصافح بالقلب أشياءنا‬
‫الحبيبة نائمة ‪-‬وحدها‪ -‬في‬
                                  ‫سعيًا للتسامي خارج‬                  ‫لتعرفنا أشياؤنا‬
                    ‫مكان‬    ‫الوجود الإنساني الحاضر‪،‬‬                    ‫فماذا جرى؟!»‬
            ‫أما الوحيدون‬                                       ‫لا غرابة في ذلك فـ»كل‬
                                ‫هنا أي ًضا يجب علينا ألا‬    ‫غياب من شأنه أن يضاف‬
               ‫‪-‬بعضي‪-‬‬       ‫نغفل عن المساحات البيضاء‬
        ‫عبروا بغير كلام»‬
        ‫المساحات البيضاء‬
   220   221   222   223   224   225   226   227   228   229   230