Page 154 - Pp
P. 154

‫تنقلون في هذه العربة؟»‬              ‫تتأسس "الرواية‬               ‫‪152‬‬
 ‫فأجابوه‪« :‬غريبو ْيد»‪ .‬فأزال‬                ‫التاريخية" على‬
 ‫الفارس قبعته وابتعد غار ًقا‬               ‫الوعي بالواقع‪،‬‬        ‫من المرتزقة كـ»نيسلرود»‬
                                                                   ‫ذي الأصول الألمانية‪ ،‬أو‬
       ‫في هواجسه‪ .‬لقد كان‬               ‫وفي نفس الوقت‬
                ‫«بوشكين»‪.‬‬                 ‫الهروب منه؛ بل‬        ‫اليوناني «رودوفينيكين»‪ .‬لا‬
                                           ‫إنها تسمو به‪.‬‬         ‫ُي ِك ُّن «غريبو ْيدوف» لهؤلاء‬
   ‫تنقل الرواية القارئ‪ ،‬عبر‬
    ‫مشاهدها متفاوتة الطول‬               ‫لذلك فهي ُتبطن‬              ‫سوى البغض‪ ،‬ب ْيد أنهم‬
    ‫والمقسمة إلى ثلاثة عشر‬              ‫من خلال غموضها‬         ‫يثيرون فيه أسئلة عدة تطرح‬
   ‫فص ًل كبي ًرا‪ ،‬من مكان إلى‬                                  ‫على طول الرواية‪ :‬كيف يمكن‬
    ‫آخر؛ بحيث تجعله وج ًها‬                ‫التأثيرات القوية‬      ‫للناس أن يغادروا أوطانهم؟‬
     ‫لوجه مع عدد هائل من‬                  ‫للشعر‪ .‬فالرواية‬      ‫كيف يمكن لنا أن نهاجر وأن‬
    ‫الشخصيات‪ ،‬أغلبها كان‬                 ‫التاريخية حقيقة‬
   ‫لها وجود فعلي على أرض‬                    ‫وشعر‪ ،‬ويتبدى‬          ‫نغير لغاتنا وشخصياتنا؟‬
    ‫الواقع (تتضمن [الرواية]‬                ‫هذا واض ًحا في‬           ‫(كيف يمكننا أن نصبح‬
  ‫مجموعة من الهوامش التي‬                 ‫رواية موت الوزير‬
   ‫خصصها الكاتب للتعريف‬                 ‫المختار حيث يتخذ‬          ‫ُف ْر ًسا بعد أن كنا رو ًسا؟)‬
 ‫بهذه الشخصيات الواقعية)‪.‬‬               ‫الوصف واستحضار‬            ‫كيف يمكن أن نخون؟ من‬
     ‫تتنوع هذه المشاهد بين‬                                     ‫الممكن أن تكون هذه الأسئلة‬
 ‫لوحات [بأكملها]‪ ،‬وتنحصر‬                        ‫الشخصيات‬        ‫تثير الحرقة في سنة ‪،1927‬‬
 ‫أحيا ًنا في مساحات صغيرة‪،‬‬                ‫والأمكنة‪ ،‬أحيا ًنا‪،‬‬   ‫بعد الهجرة الضخمة لطبقة‬
‫أو في رسم حي للواقع‪ ،‬أو في‬            ‫الشكل الحر لقصيدة‬        ‫المفكرين‪ ،‬والكتاب‪ ،‬والفنانين‪.‬‬
 ‫إشارات خاطفة تعلن بشكل‬                                          ‫ألم تعت ِر «تينيانوف» نفسه‬
   ‫مبكر عن الفن السينمائي‪.‬‬                           ‫قصيرة‬        ‫الرغبة في الهجرة؟ يجيب‬
                                                                ‫«تينيانوف» عن هذا السؤال‬
            ‫نقرأ في الرواية‪:‬‬
     ‫«كانت زوجة جندي قد‬                                             ‫بهذه الرواية التي ُتعبِّر‬
‫ل َّوحت الشمس لون بشرتها‪،‬‬                                        ‫عن إيمان بروسيا الأبدية‪،‬‬
 ‫تلبس تنورة ضمت أطرافها‬                                         ‫كيفما كان نظام حكمها‪ .‬لقد‬
  ‫إلى بعضها البعض وجعلت‬                                        ‫اغتيل «غريبو ْيدوف» بطريقة‬
 ‫في ج ْر َدل ُت َح ِّم ُم طفلها الذي‬                           ‫وحشية لأنه أراد أن يتشبث‬
  ‫لم يكف عن الصراخ‪ .‬كانت‬                                       ‫بحقوق بلده‪ .‬هذا البلد الذي‪،‬‬
‫ساقاها بضتين كجبل إلبروز‬                                        ‫على الرغم من عدم دعمه له‪،‬‬
   ‫[ناصع بياض الثلج]‪ .‬بعد‬                                      ‫إلا أنه خدمه مضحيًا بحياته‬
  ‫أن ذهبا‪ ،‬أخذت الشمس في‬                                        ‫في سبيل ذلك؛ غير أنه تنكر‬
   ‫المغيب‪ .‬ح ًّقا‪ ،‬لقد كنا نحب‬
   ‫الجبال‪ ،‬وفهمنا لماذا كانت‬                                        ‫له واستقبل [يا للعجب]‬
   ‫صدورها مستقيمة هكذا‪:‬‬                                        ‫بترحاب كبير مبعوث الشاه‪.‬‬
 ‫لقد كان الفضاء من يمنحها‬
       ‫هذه الاستقامة‪ .‬التفت‬                                         ‫لقد مات «غريبو ْيدوف»‬
‫«غريبو ْيدوف» ناحية الدكتور‬                                    ‫مجانا‪ ،‬ولم تحظ رفاته سوى‬

                                                                  ‫بتكريم فارس وحيد‪ ،‬كان‬
                                                                 ‫يعتمر قبعة ويرتدي عباءة‬
                                                                 ‫من الوبر أسود اللون؛ فقد‬

                                                                     ‫حدث أن صادف عربة‬
                                                                ‫الموكب الجنائزي التي كانت‬
                                                               ‫تجرها الثيران‪ ،‬فسأل‪« :‬ماذا‬
   149   150   151   152   153   154   155   156   157   158   159