Page 171 - Pp
P. 171

‫‪169‬‬  ‫الملف الثقـافي‬

   ‫فقط العشاء‪ ،‬وهو العشاء‬         ‫كانت الأفراح تمتد ليالي‬                 ‫المطرب‪ :‬أصرف عليك ولا‬
 ‫العادي لأهل تلك القرى‪ ،‬قد‬        ‫كثيرة تسبق ليلة الفرح‬                                     ‫البيت‪.‬‬
 ‫يزيد البعض ويأتي للضيف‬       ‫الأخيرة‪ ،‬وكانت تسمي ليالي‬
 ‫المطرب بباكو دخان إن كان‬      ‫التقديم‪ ،‬يجري ذلك في كل‬                    ‫لو طلبت دراعي ولا البيت‬
                                 ‫القري‪ ،‬وهو ما جعل كل‬                       ‫أبيع السراير ولا البيت‪.‬‬
    ‫مدخنًا‪ .‬الأهم هنا أن هذا‬   ‫قرية ونجع يمتلك عد ًدا من‬
‫الفنان ليس متفر ًغا للفن‪ ،‬هو‬   ‫المطربين الذين يملأون تلك‬                 ‫وتطلب وما تراعي للظرف‪.‬‬
 ‫مزارع أو صياد أو تاجر أو‬        ‫الليالي‪ ،‬ولا أحد يتقاضي‬                 ‫يتمثل الفنان هنا دور الأب‬
                                  ‫أج ًرا على ذلك الغناء‪ ،‬لا‬               ‫رقيق الحال الذي يخاطب‬
  ‫ممتهن لأي مهنة من المهن‬        ‫المطربين ولا الكفافة‪ ،‬هم‬              ‫ابنه‪ ،‬قائ ًل‪ :‬أصرف عليك أنت‬
 ‫الرائجة في ذلك الوقت‪ ،‬مما‬      ‫جمي ًعا أبناء البلدة وأقارب‬              ‫الذكر ولا على البنت‪ ،‬وأنت‬
                                  ‫وجيران‪ .‬من بين أولئك‬                  ‫لو طلبت ذراعي والله لأبته‪،‬‬
   ‫يعني أن حياته قائمة على‬        ‫المطربين يتميز في القول‬                 ‫أي أقطعه‪ ،‬ولا لأجلك أبيع‬
 ‫عمله وليست على الفن‪ ،‬فهو‬      ‫فنان أو أكثر ويذهب صيته‬                 ‫الأسرة والبيت‪ ،‬الدور للفنان‬
  ‫لا يتقاضي أج ًرا ولا يعتبر‬     ‫للقرى المجاورة‪ ،‬وهو ما‬                  ‫الراحل محمد أبو درويش‪.‬‬
‫الفن مهنة‪ ،‬هو يشبع هوايته‬         ‫يدفع شباب تلك القري‪،‬‬
‫وطاقته وقدرته الفنية في تلك‬    ‫الهواوية‪ ،‬وغالبًا أصدقاؤه‪،‬‬                  ‫المطرب هنا واقف بجوار‬
  ‫الليالي‪ ،‬ولن يتجاوز محيط‬        ‫لدعوة هذا الفنان المتميز‬             ‫صف الكفافة ممس ًكا بالطار‪،‬‬
  ‫قريته في رحلة الغناء تلك‪.‬‬       ‫ليحيي معهم واحدة من‬
                                 ‫ليالي التقديم تلك‪ ،‬ونفس‬                  ‫أو يقوم واحد آخر بالدق‬
   ‫ربما كان مشايخ الإنشاد‬      ‫الحال يجري‪ ،‬لا أجر يقدم‪،‬‬                ‫على الطار وهو الآلة الإيقاعية‬
  ‫الديني أسعد حا ًل من أهل‬                                             ‫الوحيدة المستخدمة في سامر‬
   ‫الكف‪ ،‬ربما بسبب طبيعة‬
                                                                        ‫الكف‪ ،‬يتبدل الكفافة ما بين‬
    ‫المنحي الديني والتقديس‬                                                 ‫دور ودور إلى أن يشمل‬
     ‫المصاحب لها‪ ،‬فالأفراح‬                                                  ‫الدور الجميع‪ ،‬والمطرب‬

                                                                        ‫يقاسمه مطرب آخر أو أكثر‬
                                                                         ‫في الغناء‪ ،‬على نفس الخانة‬
                                                                       ‫أو حسبما يعن له‪ /‬وحسبما‬

                                                                            ‫يأتيه الخاطر أو يجد أن‬
                                                                              ‫لديه ما يقوله على هذا‬
                                                                                 ‫الموضوع أو غيره‪.‬‬
                                                                               ‫في تلك الأيام‪ ،‬أقصد‬
                                                                            ‫السبعينيات وما سبقها‬

                                                                           ‫من سنوات‪ ،‬تقام الأفراح‬
                                                                             ‫والسوامر في الصيف‪،‬‬
                                                                                   ‫في أيام الفيضان‬
                                                                               ‫والدميرة غالبًا‪ ،‬وهو‬
                                                                               ‫ما يعني قلة الأعمال‬
                                                                                  ‫في الحقول نها ًرا‪،‬‬

                                                             ‫وخاصة مع حرارة الكفافة‬
                                                                                   ‫الصيف وطغيان‬
                                                                                 ‫مياه الفيضان على‬

                                                                             ‫الأراضي الزراعية‪ ،‬لذا‬
   166   167   168   169   170   171   172   173   174   175   176