Page 270 - m
P. 270

‫إلى زنازينهم‪ ،‬فلم يرض نجم أن‬           ‫أكدت نوارة أنها كانت ملهمة عم‬
‫ينتهي الأمر عند ذاك الحد‪ ،‬فسجل‬         ‫نجم في كلمات تتري مسلسل حضرة‬

  ‫إضرا ًبا عن الطعام اعترا ًضا عما‬      ‫المتهم أبي‪ ،‬فمثل هذه الكلمات لا‬
   ‫حدث لرفاقه‪ ،‬فعوقب عن طريق‬           ‫يمكن أن تنبع إلا عبر قنوات شديدة‬
‫نقله لزنزانة انفرادية‪ ،‬وكان مأمور‬      ‫الواقعية الرائقة‪ ،‬لا تتورع نوارة عن‬
   ‫السجن يحبه كجميع من عرفوا‬           ‫ذكر مثالب أبيها كما رأتها هي في‬
  ‫عم نجم عن قرب‪ ،‬فاعتذر له على‬
    ‫الحبس الانفرادي‪ ،‬كما نصحه‬            ‫الشعر أو على المستوى الإنساني‪،‬‬
                                               ‫مما يجعل تقريظها لفضائله‬
      ‫أن يفك الإضراب معل ًل بأن‬
‫سجناء الجماعة قد تن َّكروا له أثناء‬     ‫وأعماله التي تحبها تقري ًظا نزي ًها‬
‫المحضر‪ ،‬ودعم حديثه بشهادة أحد‬          ‫خال ًيا من أي تحيز؛ فتذكر الكثير من‬
‫سجناء الإخوان الذي أكد أن أحمد‬
‫فؤاد نجم ما هو إلا شيوعي كافر‪،‬‬           ‫المواقف التي فتح بها أبيها بابه‬
‫وأن الإضراب عن الطعام ليس من‬                                           ‫للجميع‪..‬‬
‫شيم المسلمين الذين يصومون ولا‬
 ‫يضربون عن الطعام‪ ،‬لأن في ذلك‬              ‫الرجل لم يكن مل ًكا لنفسه ولا‬        ‫أربكني حد تحريم النوم على‬
                                          ‫لأهله‪ ،‬هذا المناضل وهب نفسه‬          ‫عيوني لليلتين‪ ،‬وسوف أسهب‬
                   ‫شبهة انتحار!‬            ‫وحياته وصحته وعمره ودمه‬            ‫بالأسباب في نهاية المقال‪ ،‬طوال‬
 ‫من الطبيعي بعد هذه السردية أنه‬                                              ‫الوقت وأنا أرى أحمد فؤاد نجم‬
                                             ‫للناس‪ ،‬تبرع بجهده وطاقته‬          ‫شخصية أسطورية إن لم يكن‬
   ‫لو كان الشخص عاد ًّيا أو حتى‬        ‫وصحته النفسية في معارك تصدى‬            ‫أسطورة مكتملة الأركان بذاته؛‬
 ‫بطلا أن يتراجع عن موقفه ليريح‬                                                 ‫أشاهده بإعجاب الطفولة وهو‬
‫نفسه من وجع الدماغ هذا‪ ،‬ولكنني‬             ‫لها وحده و ُخ ِذل في كثير منها‪،‬‬    ‫يعتز بثقافته السمعية والشعبية‬
 ‫‪-‬وكما ذكر ُت سل ًفا‪ -‬لسنا بصدد‬             ‫حتى من الناس الذين تصدى‬         ‫‪-‬وإن لم ينكر فضل تعلمه القراءة‬
  ‫شخص عادي على الأقل كما أراه‬          ‫لحمايتهم‪ ،‬كما حدث له أثناء سجنه‬      ‫والكتابة على تعرفه على أئمة الفكر‬
                                        ‫في فترة الستينيات‪ ،‬موقف أقل ما‬        ‫والثقافة‪« -‬أنا مثقف جامد ج ًّدا‬
     ‫أنا‪ ،‬إنه مناضل يحمل جينات‬          ‫يطلق عليه أنه عاصف عندما قرر‬         ‫الحمد لله‪ ،‬صعب ج ًّدا تلاقي حد‬
   ‫أسطورية طبعت عليه خصي ًصا‬            ‫مساجين الإخوان بدء عصيان في‬           ‫زيي»‪ ..‬هكذا يفخر نجم بثقافته‬
‫ولم ُتصرف إلا له بشكل حصري؛‬              ‫السجن‪ ،‬فهاجمتهم قوات السجن‬            ‫التي اكتسبها من أمه في البدء‪،‬‬
                                       ‫وأبرحوهم ضر ًبا‪ ،‬وطب ًعا لا أحتاج‬    ‫ثم من الحياة والناس والشوارع‪،‬‬
       ‫تغاضى عم نجم عن أقوال‬            ‫أن أذكر أن عم نجم قام بالتصدي‬        ‫وتشربه لكل ما يمر على وجدانه‬
  ‫السجين‪ ،‬وأكد أنه لا يعتمد كلام‬         ‫للقوات بجسده الواهن‪ ،‬مستقبِ ًل‬         ‫قبل مسامعه حد التشبع‪ ،‬هذا‬
                                           ‫الضربات نيابة عن زملائه‪ ،‬ثم‬
    ‫أسير تحت ضغط ورهبة‪ ،‬وأنه‬             ‫عملت القوات على إرجاع الجميع‬
  ‫عازم على إكمال إضرابه من أجل‬
  ‫المبدأ ولا ينتظر جزا ًء أو شكو ًرا‪،‬‬
‫وبعد فترة قصيرة من إضرابه نقل‬
‫للمستشفى‪ ،‬وعندما رجع توقع أن‬
 ‫يأتيه أحدهم معتذ ًرا عما اقترفوه‪،‬‬
‫لكن شيئًا من هذا لم يحدث‪ ،‬وع َّقب‬

     ‫نجم قائ ًل‪« :‬لو اتعاد الموقف‪،‬‬
         ‫حعمل نفس اللي عملته»!‬
                   ‫«هنا شقلبان‬
        ‫محطة إذاعة حلاوة زمان‬
   265   266   267   268   269   270   271   272   273   274   275