Page 275 - m
P. 275

‫‪273‬‬  ‫ثقافات وفنون‬

     ‫كتب‬

                ‫نجيب ساويرس‬                ‫محمد حسين طنطاوي‬                 ‫أسهب به ونوهت عنه مرا ًرا أثناء‬
                                                                               ‫المقال لنهايته‪ ،‬وهذا لأكثر من‬
     ‫مرسي‪ ،‬لم تكن علاقتي بأبي‬          ‫لم يجمعني بأبي سوى القليل من‬
   ‫جيدة أثناء حياة أمي ولكنها لم‬         ‫الأشياء أهمهما هو حبنا لأبيك‪،‬‬       ‫سبب‪ ،‬أولها أنني أرد ُت ألا أظهر‬
‫تكن بالسوء الحالي‪ ،‬كانت علاقتي‬                                             ‫تأثري الذي يصل إلى حد التماهي‬
    ‫أثناء طفولتي بأبي تتلخص في‬         ‫أبي يعتبر عم نجم من أهم أعمدة‬
   ‫شرائط كاسيت ترسلها له أمي‬          ‫الثورة وأمين سرها ولسان حالها‪،‬‬          ‫أحيا ًنا‪ ،‬ولأنني أحبب ُت أن يكون‬
‫حيث يعمل في ليبيا‪ ،‬قضي ُت الردح‬                                               ‫كلامي موج ًها لنوارة‪ ،‬فلا يجد‬
 ‫المتبقي في طفولتي وكل مراهقتي‬         ‫عاش أبي ببداية حياته في جفاف‬           ‫القارئ نفسه مجب ًرا على سماع‬
  ‫ومطلع شبابي لاهثة أنا الأخرى‬          ‫وظلم وقهر لم يتخلص منه يو ًما‬          ‫حكاياتي المتداخلة مع الكتاب‪،‬‬
                                      ‫ولم يستفد منه إنسانيًّا‪ ،‬على عكس‬         ‫وأهمها أن أمانتي تجاه نفسي‬
      ‫لإصلاح علاقتي بأبي حتى‬                                                  ‫تقتضي أن أروي ما تأثر ُت به‬
     ‫تحطمت تما ًما وعكس المتوقع‬            ‫أبيك الذي عامل المحن كمنح‪،‬‬
     ‫بوفاة والدتي‪ ،‬أفكر في حلول‬           ‫فروض الحياة‪ ،‬ومات راضيًا‪.‬‬               ‫وأبكاني وحرم النوم عليَّ‪.‬‬
   ‫وأغدق بعبارات المدح‪ ،‬أتغاضى‬         ‫خسرت أسرة أبي أماكن سكنهما‬          ‫وجدتني يا نوارة أثناء توحدي مع‬
    ‫عن التجاهل التام المتعمد حتى‬           ‫في عام ‪ 56‬و‪ ،67‬فعاشت إلى‬        ‫كتابك أشعر وكأنك تروي قصتي‬
  ‫َس َر ْت رياح اليأس فرضخ ُت لها‬         ‫الآن بغصة التهجير والشتات‪،‬‬
 ‫وعلم ُت أنني فقد ُت أبي تما ًما كما‬       ‫وعلى الرغم من ذلك لم يحب‬         ‫ولكن من خلال تجربتك‪ ،‬شعرت‬
    ‫فقد ُت أمي‪ ،‬حتى رحت أقرؤك‬         ‫مشاركتي في المظاهرات التي كانت‬         ‫أن هذه مروي ُة َم ْن لا مروي َة له‪،‬‬
‫بشغف من و َج َدت ضالتها‪ ،‬وإن لم‬           ‫ببورسعيد فترة تولي مرسي‪،‬‬         ‫فبالرغم من عبارات الثناء والمديح‬
 ‫تقل تعاستي بالانتهاء من الكتاب‬          ‫على الرغم من مشاركته بجميع‬         ‫التي أتلقاها على كتابتي‪ ،‬إلا أنني‬
    ‫ولم تقل دفعات الألم‪ ،‬ولكنني‬           ‫فاعليات ثورتي يناير ويونيو‪،‬‬      ‫أجد نفسي عاجزة تما ًما عن كتابة‬
 ‫صر ُت أكثر تق ُّب ًل لفقدان علاقتي‬     ‫مثلما كن ِت تتظاهرين في القاهرة‬     ‫فصول حياتي خاصة فيما يتعلق‬
    ‫مع أبي وأن ِت السبب يا نوارة!‬      ‫على الجماعة الإرهابية كن ُت أنا في‬  ‫بأسرتي‪ ،‬فنحن ثلات بنات مثلكن‬
                                       ‫بورسعيد أتابع عن كثب تداعيات‬           ‫يا نوارة‪ ،‬اثنتان منهما تعانيان‬
                                       ‫حظر التجوال الذي فرضه محمد‬            ‫من أمراض مستعصية ونادرة‪،‬‬
                                                                               ‫وثلاثتهن ت ِعسات‪ ،‬متعوسات‪،‬‬
                                                                            ‫تعيسات‪ ،‬كره ُت الحجاب مثلك يا‬
                                                                           ‫صديقة‪ ،‬تعلمين أنني جاءتني أيام‬
                                                                            ‫تخيلت بها أن التخلص من آلامي‬
                                                                            ‫الجسدية أهون من خلع الحجاب!‬

                                                                                  ‫من فرط ما التصق بجلدي‬
                                                                             ‫واسترحم ُت الحياة أن تحررني‬
                                                                             ‫منه وتكلفني الثمن الذي تريده‪.‬‬

                                                                               ‫ذكر ُت بالمقال أنني أعتبر أمك‬
                                                                               ‫نموذ ًجا ناد ًرا في عالم الأمومة‬
                                                                                ‫وهو ما عش ُته مع أمي‪ ،‬لطالما‬
                                                                               ‫رأيتها طفرة في عالم الأمومة‪،‬‬
                                                                                ‫يكفي أنها تعاملت مع عيوبي‬
                                                                                ‫كمميزات وعبرت عن فخرها‬
                                                                             ‫واعتزازها لنقائصي أمام نفسها‬
                                                                             ‫وأمام الجميع‪ ،‬جمعني بها محبة‬
                                                                           ‫الحياة والبشر والخير والفن بينما‬
   270   271   272   273   274   275   276   277   278   279   280