Page 277 - m
P. 277
275 ثقافات وفنون
كتب
يكون دوره في الحياة «أن يقضي لحظة من لحظات الحياة الممتدة؛ تنقل لنا صورة مفصلة للحظات
ساعات طويلة هناك بلا طعام لذا لن تستطيع في تحليل الرواية تعيشها جل نساء العصر ،فهي
ساخن ولا وسائد مريحة ،لكنه على حد قول الكاتبة على لسان
أن تتحدث عن زمن محدد. بطلتها« :مثقلة ،وتريد أن تجد من
تع َّود أن يحمي وظيفته ،وأنا هنا الوحدة هي مفتاح الرواية بين كل ذلك حياتها التي تأملها».
(زهرة) أقف على الخط الخلفي الرئيس ،فالوحدة قد ألجأت تلك إذن هي القضية :البحث عن
له أسند له ما تبقى من حياته البطلة إلى الانهماك في لعبة الذات ،وليس أقدر على البحث عن
لتكتمل». إلكترونية ،ثم الانخراط بالكلية في ذاته من امرأة تفهم روح الحياة
العالم الافتراضي التي اصطنعت وتعيش فيها بقلب يفهم عن واهب
وكيف لا نتعاطف مع امرأة يفكر فيه لنفسها عالمًا خا ًّصا ج ًّدا،
فيها الرجل مثل هذا التفكير؟! الوحدة هي التي جعلتها تتخذ من الوجود رسائله.
لكن الكاتبة تحتفظ لقارئها الكائنات أصدقاء وخلا ًنا ،الوحدة الرواية رحلة نخوض فيها ،بل
هي التي دفعتها لنقل سيرة نتورط فيها مع البطلة في البحث
بمفاجأة في نهاية الرواية؛ حيث الكائنات ببساطة؛ لأن البشر عن ذاتها ،ونشفق فيها على البطلة
يتضح أن الزوج لم يكن غائبًا من رهافة مشاعرها التي أرادت
بالمرة عن زوجته ،بل هو الذي كانوا غائبين.
يتآمر عليها؛ محب ًة فيها وعش ًقا لم أ َزل معنيًّا باستخلاص من خلالها الإشارة من بعيد
الإنساني في هذه الرواية؛ فأجدني كغريق يرسل آخر إشاراته قبل
لها. متعاط ًفا تارة مع البطلة التي
ولأن البطلة تمتلك رو ًحا شفافة ن َّحت الرجل فيها جانبًا ،وكأنه الغرق.
تجعلها مغرمة بحفظ الأصوات غير موجود بالمرة ،فكنت مشف ًقا لعبة فنية تلعب فيها الكاتبة مع
على امرأة لا تجد َمن يحتويها أو القارئ لعبة مزدوجة ،فهي تلعب
في مخيلتها وروحها ،ومن َثم تبث له شكواها أو تفخر أمامه مع ماريو الباحث عن الملكة ،في
تعاود استخراجهم لي ًل للاتناس بنجاحاتها الصغيرة والكبيرة على لعبته الشهيرة ،وهي تلعب مع
بهم ،أقول لأن للبطلة رو ًحا كونية حد سواء ،استطاعت الكاتبة في القارئ بالتماهي مع اللعبة ،ونقل
عرض قضيتها وقضية كل امرأة لحظاتها عبر الكائنات المحيطة بها،
تعامل الكون كصديق؛ فإنها تعاني الوحدة بعد زواجها؛ حيث والتي استعاضت بهم عن الزوج
«كانت تعامل النباتات باعتبارها يتبنى الرجل فلسفة مؤداها أن
الحاضر الغائب.
أشخا ًصا ،تحاول النفاذ إلى حبكة روائية مدهشة احتفظت
أرواحهم واكتشاف شخصياتهم؛ فيها الكاتبة بالسر حتى السطر
الأخير من الرواية ،استفادت من
لذلك تحمي حياتهم كما تحمي الحركة السريعة في زمن لا يحده
حياة البشر ،تحزن لفقدهم حد من سرعته غير المتناهية؛ لذا
اعتمدت الجمل القصيرة المتتابعة
وللمحاولات الفاشلة التي تودي
بحياتهم». والمتتالية للتعبير عن مواقف
لحظية تمر بها البطلة ،جمل
لقد استطاعت البطلة -بطاقة سريعة ولقطات قصيرة لتصنع
الحب والنور التي تملكهما -أن مقط ًعا صغي ًرا في رواية صغيرة
تجعل «منزلها مزدح ًما بالحياة؛ الحجم في كون شديد الاتساع.
لسنا هنا بصدد الحديث عن خط
سلحفاة وبامبو وكائنات زمني محدد ،بل تستطيع القول
تستحضر أصواتها و ُتقلِّدها»، وأنت مطمئن إن الرواية كلها
ومن َثم تحيل البيت إلى الكون
الذي تعيد فيه خ ْلق ُس ُبل التعامل
فيما بين أفراده تعام ًل نموذجيًّا
لو تخيلناه بين البشر والكائنات؛
لأصبحت الأرض جنة.
إن البطلة استحضرت من التراث