Page 281 - m
P. 281

‫‪279‬‬          ‫ثقافات وفنون‬

             ‫كتب‬

‫فاتحة مرشيد‬  ‫إدجار ألان بو‬                            ‫أندريه مالرو‬          ‫يشحن طاقته من المرأة التي‬
                                                                        ‫بين يديه‪ ،‬ثم ينزفها على أوراقه‪،‬‬
    ‫تفصله عنها‪ .‬أحس بخفة من‬            ‫حضن مربيته وهما يمارسان‬
   ‫تخلص من ثقل أنهك كاهله”‪.‬‬           ‫الحب‪ ،‬بالرغم من حبه واقترابه‬        ‫متجاه ًل احتياجها له‪ ،‬وهذا ما‬
   ‫تحرر أكثر وفاض في تشريح‬           ‫من هناء لم يخبرها‪ ،‬لم يخبر أي‬        ‫وضحته إحدى نسائه‪ ،‬صباح‪،‬‬
    ‫ذاته وعلاقته الملتبسة بالمرأة‪:‬‬    ‫أحد عن هذا الحدث الذي شكل‬            ‫صديقة أمينة قائلة‪ :‬هو رجل‬
    ‫كنت في علاقتي بالمرأة أعيش‬       ‫نفسيته‪ ،‬وصار حاف ًزا لكثير من‬
‫ازدواجية كمن يعاني من انفصام‬                                                ‫غير قادر على ضم امرأة إليه‬
   ‫في الشخصية‪ ،‬بداخلي رجلان‬                              ‫تصرفاته‪.‬‬        ‫بعد الجنس‪ ..‬جاهل بأن هذا هو‬
     ‫أحدهما عاشق من نار‪ ..‬نار‬       ‫على الرغم من كوني قد تجاوزت‬
    ‫ولَّدها حرماني من العاطفة‪..‬‬                                                        ‫الإبداع الحقيقي‪.‬‬
   ‫عاطفة رفضتها يوم أحسست‬                ‫نظر ًّيا كل حكم أخلاقي على‬    ‫هو لا يحب المرأة‪ ،‬ولا يحب الحب‪،‬‬
   ‫بأنها مشتركة فتفيض فجأة‪..‬‬           ‫الممارسات الجنسية‪ ،‬وأدركت‬
                                        ‫أنه عالم بلا حدود‪ ،‬واعتقدت‬      ‫ولا يحب الجنس حتى‪ ،‬هو يحب‬
     ‫وأنتفض كفارس يطفئ نار‬                                                   ‫الكاتب فيه‪ ،‬فقط لا غير‪ .‬أما‬
            ‫الحرمان بماء القلب‪.‬‬            ‫بضرورة حرية الكائن في‬
                                    ‫اختياراته‪ ،‬فمشهد الحب بين أمي‬      ‫الإنسان فقد توارى إلى غير رجعة‬
‫والرجل الثاني مراوغ لئيم يطمح‬                                           ‫وراء أوراقه وأقلامه‪ .‬كونه يكتب‬
     ‫إلى المخادعة‪ ،‬يتضور جو ًعا‬       ‫ودادة الغالية يوم عزاء والدي‪،‬‬     ‫لا يجعل منه فار ًسا‪ ،‬ربما يعرف‬
                                    ‫وأنا طفل‪ ،‬لن تمحوه نظريات علم‬
  ‫للنساء‪ ،‬ولا شيء يشبع شهيته‬                                              ‫استعمال قلم الحبر لكنه يجهل‬
   ‫إلا مؤقتًا‪ ..‬لكن يعصره الشك‬         ‫النفس التي التهمتها ولا أزال‪.‬‬      ‫تما ًما ما تنتظره امرأة من قلمه‬
   ‫في صفائهن ونقاء سريرتهن‪،‬‬            ‫دون ذلك في كتابه الذي ينوي‬
                                     ‫نشره‪ ،‬وقد شرع جرحه لجميع‬                                 ‫الخاص‪.‬‬
 ‫فيستغلهن لمصلحته ويرمي بهن‬          ‫القراء وقتها‪ ،‬فقط شعر بالراحة‪:‬‬    ‫صباح التي لفظته من حياتها منذ‬
 ‫كعود ثقاب أُشعل وانتهى‪ .‬كنت‬          ‫“إنها المرة الأولى التي لا تحرك‬  ‫الليلة الأولى واثقة من أنه لن يقدم‬
                                      ‫فيها ذكرى هذه الحادثة انفعال‬
   ‫في آن واحد المكتنز بكل شيء‬           ‫الغضب‪ ،‬وكأن مسافة عريقة‬                           ‫لها أي شيء‪.‬‬
                                                                            ‫في رحلة غوصه داخل نفسه‬

                                                                              ‫ومواجهتها مر على علاقته‬
                                                                          ‫بياسمين التي كانت طالبة لديه‬
                                                                         ‫في كلية الآداب‪ ،‬حين لمح أنها قد‬
                                                                           ‫تكون منافسة له‪ ،‬أخرجها من‬
                                                                       ‫حياته فو ًرا‪ ،‬خو ًفا من تبدل الحال‬
                                                                          ‫ومن أن يصير مجرد مله ٍم لها‬
                                                                        ‫وهو لا يرضى سوى بالصدراة‪،‬‬
                                                                         ‫سأل نفسه ولم يجد إجابة‪ :‬هل‬
                                                                           ‫كنت أنا الأناني؟ أم كانت هي‬
                                                                         ‫الانتهازية؟ أم أنه الإبداع يجعل‬
                                                                           ‫كل اختياراتنا تصب في اتجاه‬
                                                                         ‫خدمته أو ًل‪ ،‬ولا يقبل مناف ًسا له‬

                                                                                   ‫وإن كان الحب ذاته؟‬
                                                                         ‫يرى إدريس أن حقيقة الإنسان‬
                                                                        ‫تكمن فيما يخفيه‪ ،‬وذلك حقيقي‪،‬‬

                                                                            ‫نقطة ارتكاز حياته ومحركه‬
                                                                          ‫الأساسي هي اللقطة التي رأى‬
                                                                         ‫فيها والدته يوم وفاة والده‪ ،‬في‬
   276   277   278   279   280   281   282   283   284   285   286