Page 282 - m
P. 282

‫العـدد ‪55‬‬                          ‫‪280‬‬

                                    ‫يوليو ‪٢٠٢3‬‬

  ‫التمني أن يعود صديقه للحياة‪،‬‬      ‫الإلهام متأخ ًرا‪ ،‬كموعد مؤجل‪ ،‬أو‬            ‫والخاوي من كل شيء‪.‬‬
  ‫متخي ًل عودته ورأيه بعد قراءة‬     ‫كدواء يسرب مفعوله بعد حين»‪.‬‬            ‫معاناة إدريس الأساسية هي‬
  ‫مسودة الرواية الأخيرة‪ ،‬ولأنه‬      ‫وذلك ما حدث معه بالضبط‪ ،‬كتب‬           ‫صدمته في والدتيه‪ ،‬لأنه يعتبر‬
  ‫لا يفرق بين الحياة والكتابة‪ ،‬لم‬     ‫عن ذاته الحقيقة وخاطب القراء‬      ‫دادة الغالية والدته الأخرى‪ ،‬وفي‬
   ‫يحضر جنازة وعزاء صديقه‪،‬‬                                              ‫توقيت الصدمة وقت غياب الأب‬
                                       ‫بكل صراحة ووضوح «ليتكم‬           ‫بالكامل في موته‪ ،‬لقد كان ضي ًفا‬
    ‫أرسل روايته للنشر واختفى‬            ‫تعلمون أنه في كل بناء لكتاب‬      ‫على حياتهم بسبب طبيعة عمله‬
       ‫تما ًما عن الأضواء‪ ،‬مود ًعا‬      ‫تهديم لكيان الكاتب»‪“ ،‬ليتكم‬        ‫وسفره الدائم‪ ،‬افتقد إدريس‬
      ‫الجمهور‪ ،‬ولم يترك فرصة‬             ‫تدركون كل ما يتطلبه كتاب‬      ‫النموذج الذكوري المثالي‪ ،‬وتشوه‬
                                      ‫من موت‪ ..‬نحن نموت قلي ًل مع‬      ‫لديه النموذج الأنثوي كذلك‪ ،‬ربما‬
   ‫للتأويل‪ ،‬قال كل شيء بمنتهى‬          ‫كل إبداع‪ .‬وهاجسنا المدمر هو‬        ‫هذا ما دفعه نحو الكتابة بهذا‬
   ‫الصدق والألم‪“ :‬كثي ًرا ما كتب‬       ‫الكتاب المقبل‪ ،‬وهل سنستطيع‬
  ‫النقاد عن مساري الأدبي‪ ،‬كمن‬                                                                 ‫الجنون‪.‬‬
    ‫يكتب عن مسرحية معروضة‬                             ‫ولادة جديدة؟‬             ‫شملت الرواية الكثير من‬
   ‫على الخشبة جاهلين ما يجري‬          ‫بعد تشخيصه بإصابته بمرض‬          ‫الاقتباسات حول الكتابة‪ ،‬وكيفية‬
    ‫في الكواليس‪ .‬قررت الآن بعد‬                                         ‫التعاطي معها‪ ،‬من ضمنها المرور‬
  ‫المشهد الأخير أن أرفع الستارة‬            ‫سرطان‪ ،‬البروستات‪ ،‬كان‬         ‫على قصة البورتريه البيضاوي‬
                                       ‫يعد نفسه للموت‪ ،‬ويهدم ذاته‬         ‫الشكل للكاتب الأمريكي إدغار‬
        ‫الخلفية وأهديكم العرض‬           ‫ويعريها من كل إدعاء‪“ :‬كنت‬          ‫ألان بو‪ ،‬عن ذلك الفنان الذي‬
‫الحقيقي‪ ..‬عرض الكواليس المفعم‬       ‫أعتقد قب ًل أن موهبة الكتابة تغني‬      ‫طلب من زوجته الثبات حتى‬
 ‫بقلق الممثلين وتقلباتهم المزاجية‬    ‫عن موهبة الحياة‪ ،‬وقد كنت على‬      ‫يرسمها‪ ،‬وحين اكتمل البورتريه‬
                                     ‫خطأ‪ ،‬إذ إن ممارسة الحياة‪ ،‬بكل‬      ‫كانت زوجته قد غادرت الحياة‪،‬‬
   ‫بعلاقاتهم السرية وانفعالاتهم‬                                           ‫ربما ليست الكتابة وحدها من‬
    ‫الحقيقية التي يوارونها خلف‬           ‫تعابيرها القصوى‪ ،‬هي التي‬            ‫تأكل الحياة‪ ،‬بل كل الفنون‬
                                           ‫صقلت موهبتي الأدبية”‪.‬‬        ‫تقتات على ممارسينها‪ ،‬في رحلة‬
        ‫الماكياج والأقنعة قبل أن‬                                          ‫إدريس مع النساء تعرف على‬
  ‫يرسموا ابتسامة تستحق منكم‬            ‫“أنا صنيع كل النساء اللواتي‬     ‫المغنية المبتدئة شروق‪ ،‬طلبت منه‬
                                         ‫عبرن حياتي‪ ..‬بد ًءا من التي‬      ‫أن يكتب عنها أو يدون كلمات‬
                    ‫التصفيق”‪.‬‬                                          ‫أغانيها‪ ،‬أسقطها من حساباته في‬
‫هكذا اختار إدريس أن يكلل ختام‬        ‫منحتني الحياة‪ ..‬إلى التي أيقظت‬    ‫سعيه المحموم لملهمة جديدة‪ ،‬لكن‬
‫حياته الأدبية‪ ،‬بينما أمينة باشرت‬        ‫الرجل بداخلي‪ ..‬والتي فتحت‬       ‫حين ماتت كتب سيرتها المتخيلة‬
                                                                        ‫وحققت نجا ًحا‪ ،‬وتعجب إدريس‬
    ‫عمل دار النشر‪ ،‬وأوصلت ما‬          ‫لي باب الإبداع على مصراعيه‪..‬‬       ‫في كتابه وذكر أن «أحيا ًنا يأتي‬
    ‫قطعه عمر عنها بحجة رعاية‬         ‫والتي جعلت قلمي يتألق‪ ..‬والتي‬
  ‫البيت والأولاد‪ ،‬صارت صاحبة‬        ‫كانت ورقة مبسوطة تحت يدي‪..‬‬
                                    ‫فكل كتاب عندي مقرون بامرأة‪..‬‬
      ‫دار النشر‪ ،‬وحين وصلتها‬         ‫كل فرحة عندي مقرونة بامرأة‪..‬‬
       ‫مسودة الرواية طلبت من‬
        ‫العاملين التعجل بنشرها‬                  ‫وكل انكسار كذلك»‪.‬‬
                                      ‫كتب الحقيقة ولكن لم تخل من‬
   277   278   279   280   281   282   283   284   285   286