Page 278 - m
P. 278

‫العـدد ‪55‬‬                            ‫‪276‬‬

                                        ‫يوليو ‪٢٠٢3‬‬

      ‫الفسيفساء من أجزاء دقيقة‬                       ‫ياسمين مجدي‬             ‫نبيين كريمين؛ أحدهما نوح (عليه‬
 ‫للغاية‪ ،‬ولكن في النهاية تخرج لنا‬                                              ‫السلام) عندما جعلت الزوج أو‬
‫اللوحة باهرة بكل هذه الجزيئيات‬           ‫من غير بني الإنسان‪ ،‬هنا البطلة‬
                                           ‫تتحدث إلى الكائنات‪ ،‬وليس في‬        ‫صاحب البيت الذي يرمز لسفينة‬
      ‫المختلفة‪ ،‬وكذلك خرجت لنا‬                                                   ‫نوح التي أنقذته من الطوفان‪،‬‬
     ‫الرواية من كل هذه اللحظات‬          ‫هذا غضاضة ولا دهشة‪ ،‬فكم من‬
   ‫المتتابعة‪ ،‬ومن كل هذه المواقف‬         ‫شخص يتحدث إلى الأشياء! لكن‬          ‫البيت تحول لسفينة نوح فيها من‬
    ‫المختلفة‪ ،‬ومن كل ردود أفعال‬          ‫المدهش أن ُتح ِّدثنا الأشياء وتنقل‬   ‫كل الأنواع‪ :‬السلحفاة‪ ،‬والصبار‪،‬‬
‫البطلة وممارسة فلسفتها الخاصة‬           ‫عنا وتتماهى معنا إلى حد اعتبرت‬       ‫والصرصور‪ ،‬والنمل‪ ،‬والعصافير‪،‬‬
  ‫في الحياة وصبغ الكائنات بهذه‬
                                                           ‫زهرة أ ًّما لها!‬       ‫كل هذه الكائنات تدير البطلة‬
                       ‫الفلسفة‪.‬‬              ‫أربع سير وخروج‪ ،‬هذه هي‬            ‫حوارها اليومي معها‪ ،‬بل يصل‬
    ‫ربما كانت الواقعية السحرية‬                ‫فصول الرواية التي لم تشأ‬        ‫التفاهم لأن يصبح ماريو وترتر‬
   ‫ظاهرة ل َمن يقرأ الرواية ظهو ًرا‬        ‫الكاتبة وصفها بالفصول؛ فهي‬          ‫راويين من رواة الرواية ينقلان‬
    ‫طبيعيًّا؛ لأن الكاتبة في تطوير‬            ‫سيرة أولى مع ماريو‪ ،‬وهي‬           ‫عن البطلة أحوالها اليومية‪ ،‬بل‬
  ‫الأحداث والشخصيات‪ ،‬وانتقال‬             ‫سيرة ثانية مع سمكة القرصان‪،‬‬
      ‫الكائنات من طور الجماد أو‬           ‫وكذلك هي سيرة ثالثة مع ترتر‬             ‫ربما حزنا لها وتعاملا معها‬
  ‫المخلوقات غير الناطقة إلى روح‬             ‫السلحفاة‪ ،‬ثم سيرة رابعة مع‬                     ‫باعتبارها أ ًّما لهما‪.‬‬
   ‫إنسانية‪ ،‬أقول كانت الانتقالات‬        ‫سيدة المورينجا‪ ،‬ثم فصل الخروج‬
     ‫والتحولات غير مفتعلة حتى‬           ‫والعثور على الذات‪ ،‬والذي عنونته‬        ‫تقول السلحفاة ترتر‪« :‬انشغلت‬
   ‫لكأنك تشعر بأن الأمر طبيعي‬                                                 ‫عني بالخروج وبتقليد الأصوات‬
   ‫للغاية‪ ،‬فلن تجد نفسك متلب ًسا‬                ‫الكاتبة بـ»خروج زهرة»‪.‬‬        ‫وتسجيلها‪ ،‬وأصبح لديها جدول‬
 ‫بسؤال منطقي من أمثلة الأسئلة‬               ‫على الرغم من تع ُّدد الرواة في‬     ‫ُتعلِّقه على الثلاجة يحدد مواعيد‬
 ‫التي تجول بخاطر القارئ إذا ما‬           ‫هذه الرواية؛ فإننا كدنا ألا نسمع‬     ‫تدريباتها التي تذهب إليها‪ ..‬ترتر‬
‫تعثَّر بالقراءة‪ ،‬ولم يتقبل انتقا ًل ما‬     ‫سوى صوت البطلة الرئيس في‬
                                             ‫العمل‪ ،‬ولكن يبقى أن الكاتبة‬         ‫تودع؛ لأنها لا تستطيع البقاء‬
                   ‫أو تحو ًل ما‪.‬‬             ‫أجادت في استدعاء رواة غير‬             ‫لمجرد وجود وجبات شهية‪،‬‬
   ‫في النهاية أنت مدعو إلى وجبة‬           ‫البطلة لسرد لحظاتها التي منها‬      ‫وسيدتها التي تحبها غائبة عنها»‪.‬‬
                                         ‫تشكلت الرواية كما تتشكل لوحة‬               ‫أرأيتم إلى أي مدى تحولت‬
      ‫دسمة من المتعة الفنية عبر‬                                                 ‫الكائنات إلى أرواح بشرية ُتع ِل‬
   ‫لغة رائقة غير معرقلة لتصوير‬                                                   ‫من شأن المعنوي على حساب‬

     ‫الأحداث أو مناقشة الأفكار‪.‬‬                                                                      ‫المادي؟‬
‫أنت مدعو لعالم مختلف عن العالم‬                                               ‫حصلت على هذه النتيجة لأن «الأم‬
                                                                             ‫زهرة اعتادت ترويض الحيوانات‪،‬‬
   ‫الذي نعيش فيه‪ ،‬وإن كان عالم‬
   ‫الرواية بالضرورة مستم ًّدا من‬                                                 ‫وعندما تفعل ذلك؛ فإنها تلغي‬
    ‫واقعنا الذي نعيشه‪ ،‬لكنه عالم‬                                                             ‫انتماءنا للبرية»‪.‬‬
    ‫حالم بما ينبغي أن يكون عليه‬
                                                                                  ‫لم تكت ِف البطلة بالحديث إلى‬
              ‫الكون بكل كائناته‬                                                ‫الكائنات الحية‪ ،‬بل كانت تحاور‬
                      ‫‪------‬‬
                                                                                  ‫الكائنات من الجمادات‪ ،‬فلقد‬
     ‫* «سيرة الكائنات»‪ ،‬رواية‪،‬‬                                                 ‫حاورت المرآة والمطبخ والشجر‬
  ‫ياسمين مجدي‪ ،‬الناشر سلسلة‬
   ‫إبداعات‪ ،‬الهيئة العامة لقصور‬                                                    ‫والقوقعة والكاميرا وشاشة‬
                                                                             ‫الكمبيوتر‪ ،‬وهنا يبدو تأ ُّثر الكاتبة‬
            ‫الثقافة‪ ،‬عام ‪.٢٠٢٢‬‬
                                                                                 ‫الشديد بنبي آخر هو سليمان‬
                                                                                ‫(عليه السلام)‪ ،‬الذي وهبه الله‬
                                                                                 ‫القدرة على محاورة المخلوقات‬
   273   274   275   276   277   278   279   280   281   282   283