Page 101 - ميريت الثقافية- العدد رقم 22 أكتوبر 2020
P. 101
نون النسوة 9 9 يكون صاخبًا في الإعلان عن نفسه؛ يكتنز حالات
شعورية وإنسانية عميقة ،وحتى صوره وإمكاناته
المتمثل في السؤال عن :إلى متى تظل حالها هكذا.
فهذا السؤال يكتنز حا ًل من اليأس والألم بتلك اللغوية والإيقاعية من التناغم والنبر وتوظيف
الحكايات الشعبية والتراث الشعبي أو الأمثال
الحال من أن تكون الذات مشحونة المعنى والشعور والمقولات الذائعة ،فإنها كلها مشغولة بدرجة كبيرة
ولا تبدو أقرب لنوع من العجز عن القول .على أن من الفن ومنسبكة ببعضها بوهج الروح الشعرية
علاقة الأنثى بالرجل في هذه القصائد تبدو هي الهامسة والعفوية ،ولها أنساقها البنائية التي قد
تحتاج إلى بحث عميق يكشف عن مساراتها داخل
الأكثر حضو ًرا ،وتتشكل من حالات عدة بين الغزل
والعشق والانتظار والخيانة والكبرياء في تطواف النص الشعري.
على سبيل المثال؛ الأمثال الشعبية والخرافات أو
كبير من تقر ًيبا كافة التنويعات والاحتمالات القائمة التراث الشعبي عن عادات مثل إلقاء الأسنان في
بين الرجل والمرأة ،وهو ما قد يشكل -في تقديرنا-
وجه الشمس ،أو حكايات الجدات ،أو العرافة
مصد ًرا للجمال ،لأنها تصنع حا ًل من التقلب والخرافات والجنيات ،وهي كلها حاضرة في
والتحولات بين عديد المشاعر المتقاربة والمتباينة نصوص هذه المجموعة ،لها كلها نسق بنائي معين
لعلاقة الرجل بالمرأة أو العكس .حالات من العشق يصنع نافذة في النص الشعري ويجعله ممت ًّدا في
عمقه التاريخي والإنساني على تبدلات الثقافة
والمناجاة ،وأخرى من الغيرة الحداثية إن جاز الشعبية ،ويسهم كذلك هذا النسق الشعبي في فتح
التعبير ،وثالثة من الانتظار ،وأخرى من الكبرياء مخيلة القارئ على إطار ثقافي واجتماعي أوسع
والرفض والتذمر ،وأخرى من الانكسار والضعف من لوحة الحالة الشعرية الفردية التي تؤديها
النصوص أو تقاربها .النص هنا أشبه بحال من
والاحتياج ،وأخرى من القوة بذلك الحب الذي الرقص العفوي الذي يستمد حركاته من الفضاء
يحقق وجود الشخصية ويمنحها ما يشبه السحر الثقافي والاجتماعي المحيط به ،وهو في الوقت
نفسه ينطلق كله من الذات ومن الشعور الفردي
أو القوة الخارقة ..إلخ. في جوهره ،وسمة الفردية والانشغال باليومي
في جمل شعرية مركزة ومكثفة تستثمر فكرة والعادي والراهن أو الشخصي كلها من سمات
السحر والعرافات وهذا الموروث الشعبي ،وفي شعر ما بعد الحداثة الذي يركز بدرجة كبيرة
حالات شعرية عدة ،ليس فقط فيما يخص الذكريات على الذات الإنسانية بأعبائها الذاتية ،ويتملّص من
والحنين للماضي ،ولكن كذلك في النصوص ذات الكليات والقضايا الكبرى أو الماورائيات والقيم
الطابع الرومانسي ،أو تقارب علاقة المرأة بالرجل
الكليّة.
بشكل عام ،مثل هذا النص حين تقول: تصور هذه النصوص الشعرية المتفاوتة في الطول
«كساحرة فاشلة
والمساحة حالات عديدة لذات إنسانية متقاطعة
أنفخ في مواقد الهجر العلاقات مع ذوات أخرى لها قيمتها الوجدانية
فيرتد الدخان حنينًا إلى عينيك» .الديوان ص.62 المهمة ،ومن جوهر هذه العلاقات الإنسانية ،حتى
فالتشبيه هنا يجعل التصوير الشعري غير محدود ما يكون منها مع المكان أو الإنسان أو الشعر نفسه
أحيا ًنا ،فهي في أحد النصوص –مث ًل -تصور كيف
بحدود الحالة الشعرية أو النص ،بل ينفتح إلى يمكن أن تكون الذات الشاعرة محتقنة بالقول
حدود الغرائبية ،ويستحضر صورة الساحرة أو مح ّملة وهي لا تقدر على الإمطار ،تمضي في
التي تنفخ في مواقد بعينها ،فيندمج التشبيه في الشوارع مثل غيمة تحمل المياه ولا تمطر ،ولكن
الاستعارة التالية (مواقد الهجر) ،ويبدو المتلقي الأجمل ليس في المعنى بل في التعبير الشعري
أمام مشهد وليس مجرد مقولة إخبارية محدودة
تؤكد فيها الأنثى أنها فشلت في محاولاتها للهجر،
وأنها كلما هجرت ارتدت عليها محاولاتها بمزيد
من الحنين إلى عيني حبيبها .فمازلت مؤمنًا
بالقاعدة النقدية التي تؤكد على أن الجمال الأدبي
إنما يتركز في كيفيات طرح المعاني وإعادة إنتاجها
عبر تمثلات تعبيرية وشعرية مختلفة ،فالمفارقة