Page 102 - ميريت الثقافية- العدد رقم 22 أكتوبر 2020
P. 102
العـدد ١٩ 100
يوليو ٢٠٢٠
أن بوصلتها كانت قد تركزت في اتجاه واحد ،أو التي في النص هي هنا الذروة الجمالية ،نعم ،حيث
نحو شخص أو مكان واحد ،دون أن تؤمن بالتعدد ارتداد الهجر إلى الحنين بالمثل أو بالقدر ذاته من
المحاولات ،ولكن المعنى تجسد عبر تشبيه بساحرة
وتلتفت إلى الكون كله باتساعه ،فهذه التكنية فاشلة ،وهو الطريف ،لأنه نادر أن تكون الساحرة
والطابع الإشاري الخفي نسبيًّا يسمح غموضه
بدرجة ما من إعمال العقل ،ويجعل النصوص فاشلة ،فهذه مفارقة صغرى عابرة تسهم في
على هذا النحو أكثر ثرا ًء وجما ًل من حيث منحها تحقيق التكثيف المقصود ،فكل هذه المعاني والصور
للمتلقي دو ًرا فاع ًل في إنتاج الدلالة .وتتلبس الذات
الشاعرة بالحال ،وأخرى قريبة منها أو ذات صلة والمفارقات ،واحدة صغرى ( ساحرة فاشلة)
وأحيا ًنا تناقضها ،ففي مرة -على سبيل التمثيل- وأخرى كبرى (يرتد الهجر حنينًا مضاع ًفا) كلها
تكون حارسة للنهر تمنعه من أن يضل طريقه، نتجت عن جملتين نحويتين بالضبط ،وعدد محدود
ومرة تصبح هي نه ًرا ،ولكنه نهر غرائبي يبتلع
ماءه كما لو كان ثعبا ًنا يأكل نفسه ،أو كائنًا غرائبيًّا من الكلمات ،والمهم كما ذكرت هو تلك النافذة
يقتل نفسه ليتخلص من ألمه ،وكأنه ينتحر لأنه لا المفتوحة أمام مخيلة المتلقي على خارج النص حيث
يعرف كيف يكمل طريقه ،تسأل السؤال ولا تلقي
له إجابة ،وهو ما يجسد حا ًل كثيفة وثقيلة من عالم السحرة والجنيات.
الشك أحيا ًنا ،أو غياب الجدوى والشعور بالعدمية وفي نص مشابه في تكنيكه تقول( :ألم تنصحك
العرافات ،بألا تح ّب امرأة ماتت من قبل؟) .وهي
والتفتت.
في نصوص هذه المجموعة الشعرية نسق ثابت، نصوص مكثفة لافتة وتبرهن على أن الحال
ويبدو جمي ًل ،من أنسنة الأشياء ،وتتماهى معها الشعرية تقبض على الشكل التعبيري ،وأن المعنى
الذات الشاعرة أو تصبح لها معها علاقة جدلية يتسيد ويتحكم في الصور وطرائق التعبير الشعري،
ودراما حياتية غريبة أحيا ًنا ،مثل أنسنة الجدار أو فيكون كل هذا الإحكام ،وتتسم مثل هذه النصوص
السرير ،وتتخذ كيفيات عديدة في ربط هذه الأشياء بأنها خاطفة وتمثل مصد ًرا للمفاجأة ،وتحتاج قد ًرا
المؤنسنة بالإنسان أو الذات المرصودة في النصوص من التأويل أو التأني في الفهم .فيمر النص أشبه
الشعرية ،أو التي تعبر عنها ،وبعضها يكون بطائر غريب في السماء ،يحتاج إلى تفكر وتدبر
مص َّو ًرا في حال من الصخب والحركة والحيوية. لمعرفة نوعه أو ماهيته.
وتتسم بعض النصوص بطابع سردي ونزعة لا تقتصر النصوص الشعرية في مرجعيتها
درامية تتشكل شعريتها من طابع حركي وتعددية التصويرية على الخرافة وعوالم السحر والخرافات
والطير والحيوانات والغيوم والنجوم أو المفردات
في مصادر الفعل والحركة .مثل ذاك النص الذي السماوية ،بل بعضها يتأسس على مرجعية عصرية
يحفزها فيه الجدار ببياضه على أشياء كثيرة غريبة
مثل أن تجعل قلبها كلمة واحدة وتشبه قلب
تبدأ بالبوح والكتابة والقول ،ولا تنتهي بأن تملأ حبيبها بأنه حقائب كتب مدرسية .أو بعض الصور
المرتبطة بالشات ووسائل التواصل الاجتماعي.
بعض النصوص الأخرى تعتمد على الإيحاء
والرمزية والتكنية مثل ذاك الذي تقر فيه بأنها
ستمتلك الكثير من الأحذية وتبدلها ،وأنه لن يكون
مره ًقا لها حينئذ غير الأرض التي تمشي عليها،
ولن يكون هناك شيء آخر متعبًا لها بعي ًدا عنه،
وكأن الحياة ليس فيها من شيء مرهق غير القرب
منه وأن بالابتعاد عنه ،قد تستبدل الأحبة مثل
الأحذية دون أي عناء غير عناء الطريق أو الرحلة.
أو تق ّر بأنها ستغير الخريطة أو تصلحها لأنها
أخي ًرا أيقنت بأن ليس كل البلاد جنو ًبا ،بما يعني