Page 106 - ميريت الثقافية- العدد رقم 22 أكتوبر 2020
P. 106

‫العـدد ‪١٩‬‬           ‫‪104‬‬

                                                    ‫يوليو ‪٢٠٢٠‬‬

                               ‫لا أحب اسم بهية‬      ‫أريدك أن تعود‪/‬‬
                             ‫فقد تأذيت به كثي ًرا‬
              ‫حملني فوق طاقة طفلة وحتى امرأة‬        ‫أريد أن أبقى وحيدة‬
                            ‫وحنان اسمي الثاني‬
               ‫لم أجرب الطيران به مع العصافير‬       ‫ككذبة لا يصدقها‬
                           ‫فظل محاي ًدا في رأسي‬
         ‫لكني احتجت أكثر من مرة أن أكون قوية‬        ‫أحد)‪ ،‬فالشاعرة‬
      ‫فجمعت كل حرفين متكررين في بهية وحنان‬
                                                    ‫طوال النص تحرص‬
                                 ‫وأسميتني هند‬
                         ‫واحتجت كثي ًرا أن أبكي‬     ‫على وحدة الرؤية‪،‬‬
           ‫فأسميتني الغالية ماء العين بنت محمد‬
                ‫يبدو اسمي طوي ًل ليس كأسمائي‬        ‫حيث تحفل صورها‬
        ‫ولكني أخي ًرا كتبت اسم أبي مراف ًقا لاسمي‬
                ‫ربما يغفر لي اختياري لاسم جدي‬       ‫الشعرية منذ بداية‬
                    ‫وأنا الآن أسمي نفسي بسمة‬
                     ‫لأنني حزينة ج ًدا»‪( .‬ص‪)72‬‬      ‫النص وحتى ختامه‬
 ‫ولأن العوالم المشخصة‪ ،‬من فرط الانمساخ‪ ،‬لم تعد‬
   ‫تشبه مثيلاتها‪ ،‬فقد شكلت الصورة الشعرية في‬        ‫بحالات التشظي‬
‫النص عبر إمكانات التخييل داخلها حيوات متشظية‬
  ‫تبعث على السخرية والتهكم (لي أسماء كثيرة‪ /‬لي‬      ‫والسديم دون‬
 ‫اسمين منذ البدء‪ /‬لا أحب اسم بهية فقد تأذيت به‬
‫كثي ًرا‪ /‬حنان اسمي الثاني‪ /‬لكني احتجت أكثر من‬       ‫التحول عنها‪.‬‬
‫مرة أن أكون قوية‪ /‬جمعت كل حرفين متكررين في‬
‫بهية وحنان وأسميتني هند‪ /‬احتجت كثي ًرا أن أبكي‬        ‫إن الشعر إذا لم‬   ‫الشاعر الفرنسى رينيه شار‬
    ‫فأسميتني الغالية ماء العين بنت محمد‪ /‬كتبت‬       ‫تكن الغاية منه هي‬
    ‫اسم أبي مراف ًقا لاسمي ربما يغفر لي اختياري‬
    ‫لاسم جدي‪ /‬أنا الآن أسمي نفسي بسمة لأنني‬         ‫المساعدة على استشراف ما لم تتمكن الأفئدة من‬
   ‫حزينة ج ًدا)‪ ،‬والمبالغة في التخييل الشعري كانت‬
‫أهم الآليات لتجلية أقصى وأقسى درجات التشظي‬          ‫معرفته‪ ،‬ولم يتمكن من استكشاف الخبايا التي‬
   ‫والانشطار والسديم الذي يحيل إلى انعكاس تلك‬
           ‫الحالة المتوترة والتائهة للذات الشاعرة‪.‬‬  ‫تطمح النفوس للوصول إليها وإزاحة الغطاء عن‬
     ‫إن النص الشعري عند «بهية طلب» يكمن في‬
  ‫معرفة المواقف التي يتخذها الإنسان حيال الكون‬      ‫مجاهيلها‪ ،‬فإنه لا يرقى إلى أن يكون شع ًرا بحق؛‬
  ‫بموجب تفاعله معه وتأثره به‪ ،‬فـ»الشعر الحديث‬       ‫بمعنى أن افتقاده لما قد سبق الإشارة إليه يجعله‬
  ‫موقف من الكون كله‪ ،‬لهذا كان موضوعه الوحيد‬
  ‫وضع الإنسان في هذا الوجود‪ ،‬ولهذا أي ًضا كانت‬       ‫لا يستحق لأن ُيلقب شع ًرا حداثيًا‪ ،‬فقد لا يعدو‬
  ‫أداته الوحيدة هي الرؤيا التي تعيد صياغة العالم‬    ‫–حينذاك‪ -‬أن يكون مجرد عرض لأحوال ُمعاشة‬
       ‫على نحو جديد‪ ،‬وأصبحت وظيفة الشعر هي‬
‫الكشف عن عالم يظل أب ًدا في حاجة إلى الكشف كما‬        ‫أو ُمعايشة‪ ،‬أو رص ًدا لوقائع حدثت أو جارية‬
                                                    ‫الحدوث‪ ،‬وبذا يكون هذا النوع من الشعر شع ًرا‬
                                                     ‫نقليًّا إخبار ًّيا‪ ،‬ومثل هذا الشعر لا تبقيه الحداثة‬
                                                    ‫داخل حيزها‪ ،‬بل تنبذه خارجها‪ ،‬وتتبرأ منه‪ ،‬لأنه‬

                                                    ‫يحمل في ثناياه سمة الوصف‪ ،‬والحداثة تنتفي‬

                                                    ‫الوصف من أدوات الشعر‪ ،‬فالحداثة ليست بالمخبرة‬

                                                    ‫الواصفة‪ ،‬وإنما هي المتنبئة الكاشفة(‪ .)4‬وهذا ما‬

                                                    ‫تطمح نصوص «بهية طلب» الشعرية أن تتبناه‬

                                                                        ‫وتقدمه لنا‪.‬‬

                                                    ‫وفي مقطع شعري آخر تقدم لنا ملحمة عبثية‪،‬‬

                                                    ‫يتجلى فيها الواقع المأساوي لتلك الصورة المتشظية‪،‬‬

                                                    ‫وقد جاء النص عبر مشاكلة تخييلية لصورة‬

                                                    ‫شعرية مستوحاة من أنين الذات الشاعرة للمبدعة‪،‬‬
                                                    ‫تجعل التخييل الغرائبي والعجائبي مقبو ًل وأكثر‬
                                                    ‫إدرا ًكا وقر ًبا من الواقع غير المقبول‪ ،‬تقول‪:‬‬
                                                                           ‫«لي أسماء كثيرة‬
                                                                        ‫فمث ًل لي اسمين منذ البدء‬

                                                                        ‫لكني وكما أخبرتكم من قبل‬
   101   102   103   104   105   106   107   108   109   110   111