Page 111 - ميريت الثقافية- العدد رقم 22 أكتوبر 2020
P. 111

‫‪109‬‬                                                                 ‫وأنك لم تحبني بقدر كاف للاعتذار‬
                                                           ‫أو ربما سأخبرك أني أرصع صدري بوشوم‬
                                      ‫النساء في‬
                                         ‫طريقي‬                                        ‫لنجمات مضيئة‬
                                                          ‫لأخفي المجازر التي تركها السرطان على نهدي‬
                           ‫وأدور وأرقص وأغني‬
                ‫وأنا أحرق كتابك السحري للغواية‬                                 ‫أو ربما أكتفي بالإشارة‬
        ‫ولن أتوقف لشراء مناديل للدموع المفاجئة‪.‬‬                  ‫أني فقدت صوتي وقدرتي على المغفرة‪.‬‬
                                                              ‫لا يعكس الأسلوب التهكمي الرغبة في نقل‬
     ‫الجسد والخ ارب‪ :‬تبادل الأقنعة‬                         ‫السخرية بشكلها البسيط‪ ،‬أو التعبير عن حالة‬
                                                             ‫الفشل الإنساني إزاء ما نواجهه من أزمات‬
    ‫الجسد أيقونة دلالية في أدبيات الحداثة وما بعد‬       ‫وجودية واجتماعية‪ ،‬بشكل يخلو من التعبير عن‬
      ‫الحداثة‪ ،‬إذ يمثل بثقله الدلالي وتوليده لصور‬        ‫البنية العميقة للمجتمع‪ ،‬وانعكاس هذا على الذات‬
      ‫متفجرة من العلاقة بين الذات ونفسها‪ ،‬وبين‬          ‫التي تحاول الهرب من إحداثيات الضغط‪ ،‬وتغول‬
                                                       ‫الآخر‪ /‬السوق‪ /‬الرأسمالية‪ /‬الانهيار الاجتماعي‬
‫العالم‪ ،‬مرك ًزا أساسيًّا لتأسيس مفهومنا عن الكتابة‪،‬‬       ‫والاقتصادي‪ ..‬وحتى أدق التفاصيل الإنسانية‬
    ‫ورغم اختلاف المدارس الأدبية التي تعاملت مع‬                  ‫الشخصية التي تجبرنا على الاستسلام‪.‬‬
                                                            ‫إنما تسعى المحاكاة الساخرة‪ ،‬كما ترسم لنا‬
  ‫مفردة «الجسد» مرة عبر تأطيرها كمركز ينعكس‬                ‫ملامحها أدبيات ما بعد الحداثة‪ ،‬والتي أعادت‬
     ‫عبر وعيها العالم‪ ،‬ومرة عبر تحطيمها وخلخلة‬            ‫إنتاج مفاهيم الفن والأدب والسياسة‪ ،‬إلى نسخ‬
     ‫مركزها من «اللوجوس» الوعي المعرفي‪ ،‬الكلمة‬              ‫صور أخرى متعددة للحدث الأصلي الذي تم‬
                                                      ‫فقدانه‪ ،‬وبالتالي يصبح البحث عن الأصل‪ /‬العمق‪/‬‬
   ‫الكلية المعنى‪ ،‬إلى تهميشها وتفتيتها وتحولها إلى‬       ‫المعنى‪ /‬الهوية‪ /‬العقائد‪ ..‬بحثًا بلا جدوى‪ ،‬ليس‬
    ‫«سلعة» داخل سوق رأسمالي يتم تبادلها‪ ،‬وهذا‬         ‫علينا سوى إعادة إنتاج تصورنا الذاتي عن الحياة‪،‬‬
 ‫الانزياح المفاهيمي للجسد كان حتميًّا إزاء التغيرات‬     ‫ورؤية الماضي في شكله المأساوي بغرض تطبيع‬
    ‫البنيوية داخل الجسد الاجتماعي ككل‪ ،‬وانتقال‬         ‫العلاقة معه‪ ،‬والتعايش مع الألم‪ ،‬لا تسعى ما بعد‬
   ‫المركز من الفعل الإنساني إلى الاستلاب الشامل‪،‬‬       ‫الحداثة إلى الصدام مع العالم‪ ،‬بل إلى تفتيت الذات‪،‬‬
  ‫وبالتالي وقوع الجسد تحت وطأة إعادة التعريف‬          ‫الاعتراف بأننا فاشلون في إنقاذ العالم من الخراب‪،‬‬
   ‫الذي أجبرتنا عليه الليبرالية الجديدة‪ ،‬في رسمها‬     ‫هشاشتنا تجاه الموت والندم والقسوة‪ ،‬هكذا يصبح‬
                                                      ‫لتعريف الذات بع ًدا آخر داخل قصيدة النثر ما بعد‬
                  ‫جغرافيا جديدة للعالم وللمعني‪.‬‬       ‫الحداثية‪ ،‬وهي الذات التي تسخر من وجودها‪ ،‬ولا‬
  ‫انطلقت نصوص بهية طلب من الجسد‪ ،‬ولكن من‬
‫خلال تقديمه كمنظور جانبي للمأساة‪ ،‬وكأنها تريد‬                       ‫تسعى للهرب من جحيمها الخاص‪:‬‬
                                                                               ‫لا أبكي خلف باب مغلق‬
     ‫التأكيد على العلاقة المشوهة بين الذات والمعنى‬                                     ‫ولا أمام حبيب‬
 ‫التي يغيرها العالم الخارجي وف ًقا لقواعده القاسية‬
                                                                   ‫هذه الطرق الفاشلة لاستعادة الأحبة‬
     ‫واللاعادلة‪ ،‬بمعنى أنها تؤكد على رؤية ما بعد‬                              ‫والقنابل الموقوتة للرجفة‬
  ‫الحداثة في اعتبارها الجسد كصورة أو ظل وليس‬                                     ‫لا أخبؤها تحت ثيابي‬
‫معطى أصليًّا ثابتًا‪ ،‬الجسد باعتباره دا ًّل تتفجر منه‬                                          ‫هذه أنا‬

    ‫أعداد لا متناهية من الهويات‪ ،‬يتم إزاحة الجسد‬                       ‫سألتهم ما تيسر من الشيكولاتة‬
   ‫الحقيقي من أجل الحصول على لذة غير حقيقية‪،‬‬                               ‫وأمد يدي في غاباتك السرية‬

     ‫التمتع بالجسد عبر تحلله في أنماط الاستهلاك‬       ‫وأعرف كيف انهمر عطرك غزي ًرا لتجرف كل هؤلاء‬
      ‫السريعة‪ ،‬لا تعمل نصوص الديوان على تبئير‬
‫«الجسد» كمنطلق لتشكيل النص‪ ،‬ولكنه يمثل البنية‬
‫العميقة داخل الإنتاج الدلالي للمعنى الشعري‪ ،‬يقبع‬
     ‫كظل عميق وغير مرئي داخل أنساق العبارات‬
      ‫والصور الشعرية واستعاراتها‪ ،‬ويختبئ مثل‬
   106   107   108   109   110   111   112   113   114   115   116