Page 109 - ميريت الثقافية- العدد رقم 22 أكتوبر 2020
P. 109
نون النسوة 1 0 7
وكان اسم جدتي شوق وأخاف ألا أعرفني.
لم تزرع في ممرات روحي الشاسعة الذاكرة لا تهرب أب ًدا من أثقالها الروحية التي
التصقت بالجسد في علاقة حميمية من الألم ،لا يتم
إلا عذاب اسمها. استدعاء الألم هنا كألم وجودي ،حيث تخلصت
في هذا النص تتكثف على سطح المرآة تلك الصورة الذاكرة الاستعارية عند بهية طلب من توظيف
الغائرة في عمق الروح ،تستدعي عبر مفارقة مؤلمة الوجودية كمعادل موضوعي لحياتها البائسة التي
تحاول باستماتة استعادة الحيوات المضيئة داخل
ذلك العبور الحتمي للزمن ،ولكنه زمن موشوم ظلامها الجامح ،إنها ذاكرة حية ،حقيقية ،بتفاصيلها
بلعنة الانتظار واللاجدوي ،حيث تتلاشى الروح
في وجودها الطيفي المؤقت من أجل الوصول لغاية اليومية ،بكل ما تحكيه عن الحزن والفقدان
غامضة ،يبدو الـ»شوق» هنا نقطة البدء في رهان والوحدة:
خاسر من الجسد ،وانتها ًء عند الموت ،في خسارة
مؤلمة ،حيث فقد الجسد روحه كوساطة للحصول بنت بحجم ضوء يمر من باب موارب
يتأملون ضحكتها الفارهة
على لذة مفقودة. يفتشون في حقيبتها
بلاغة السرد الشعري وتعدد أشكالها عن مسدس ،أو مدية أو طعنة جاهزة
الأسلوبية هي لا تضع يدها على العشب فيصير أشجار
تتميز قصيدة النثر الحداثية بأنها تستمد بلاغتها زيزفون
الشعرية من خلال أنماط البلاغة العربية ،ولكن وخافت كثي ًرا حين التصقت بخطواتها
من خلال تكثيفها الشديد وإخراجها من الأشكال
القطط والكلاب وشهقات الرجال
البلاغية القديمة والمتوارثة ،تعتمد بنية الحكي عند وهي تتعطر بالأوبيوم
بهية طلب على تفجير الصورة الشعرية من خلال
رصدها للتفاصيل الحياتية ،وتلصصها على الذاكرة، فعادت لتشتري عطرها من دكان قديم
واستلهامها الحكمة عبر محاكاة ساخرة ،parody والموت؟
ومن خلال تبصرها العميق للعلاقة الغامضة التي
كل هذه الدورانات حولك ولا يطالك
تربط بين «جسدها /الخيط الشديد الهشاشة»، ك ُّفوا عن تملق الموت
وبين الحياة التي لا تفهمها إلا عبر نقيضها
أعطيت حبيبي كلمة سر لمحبتي
الوجودي «الموت» ،وهي العلاقة التي تشكل رؤيتها وها هو يزرع زهرات الأوركيد
للعالم وللحب وللأصدقاء ،فجسدها هنا يمثل عبئًا
ثقي ًل على روحها ،بسبب مرضها ،وهو المرض الذي ليغطي بها سريري
يحول جسدها من مجرد «وساطة» أو ممر يربط حين أنام
بين الرغبة والوصول ،بين الاشتهاء واللذة ،إلى ولا أصحو.
عبء يفصل بين رغبتها في الحياة ،وبين استمتاعها
تشكيل الصورة البصرية /الذاكرة المتحركة
الناقص ،أو ربما تلك اللذة التي تحصل عليها
ممزوجة بالمرارة والسخرية والحزن والألم. تتكون الصورة الشعرية عند بهية طلب من خلال
وبالتالي كان السرد الشعري ينحاز إلى التكثيف رسم مشهدية حية ،متفرقة التفاصيل ولكنها
الشديد في اللغة ،وتكوين صورة بصرية تعتمد
بشكل مباشر على الاستعارة البلاغية في بعض متعمدة ،كي تفجر بتشتتها تلك الرتابة المنظمة التي
النصوص ،والتي تحاول الاقتراب من العالم الآخر/ تسعى الذاكرة لبنائها ،كي تتسق صورة الذات مع
شعرية الجنة المحرمة ،ولذا كونت الاستعارة
ظلالها المتولدة من الاستدعاءات المتكررة لمأساة
الجسد ،تلك المشهدية تحاول سردية الشعر أن
تقدمها عبر أكثر من سياق بصري.
النوستالجيا ..وطأة الزمن وهشاشة الروح: