Page 105 - ميريت الثقافية- العدد رقم 22 أكتوبر 2020
P. 105

‫‪103‬‬                                                  ‫تخييلية آثرت الصورة الشعرية في النص أن تجليها‬
                                                      ‫للقارئ؛ حتى يتفاعل معها بما يعكس سديميتها في‬
       ‫أني ذات وحدة رميت قلبك من النافذة)‪ .‬لقد‬
  ‫جاءت الصورة الشعرية في المقطع السابق محملة‬                                           ‫ذات الشاعرة‪.‬‬
  ‫بالمدلولات الانهزامية‪ ،‬وموجهة إلى كيان مفتر ٍض‬         ‫إن هدف الشعر عند «بهية طلب» هو التوصل‬
                                                        ‫إلى الشيء الغريب اللا مألوف‪ ،‬واللا واقعي‪ ،‬إلى‬
                          ‫آثم‪ ،‬مشبع بالحماقات‪.‬‬       ‫الشيء الآخر‪ ،‬أو المختلف كليًّا‪ ،‬وهذا ما أكده المقطع‬
         ‫إن النص الشعري عند «بهية طلب» نص‬               ‫الشعري السابق‪ ،‬فانفجار النص الشعري لديها‪،‬‬
   ‫استشرافي متطلع إلى المستقبل ببعد نظر‪ ،‬وعميق‬       ‫وانطلاقه في عالم ما بعد الواقع‪ ،‬جاءا بمثابة التعبير‬
‫رؤية‪ ،‬وهذا من صميم فعل الحداثة الشعرية لديها‪،‬‬
 ‫فـ»هي فعل وجداني وشمولي‪ ،‬يتحد بفعالية الرؤيا‬              ‫عن الغرائز المحررة في جوانح الذات الشاعرة‬
      ‫وهي حضور متجدد يرافق الروح المتوثب في‬            ‫لديها‪ ،‬مع تشويه متعمد للواقع‪ ،‬تعمدته الشاعرة‬
‫استشراف عالمها المطلق‪ .‬وبذلك يكون الشعر حد ًسا‬
 ‫إبداعيًّا يستلهم إبداعيته من هاجس الخلق الأصيل‪.‬‬          ‫عن طريق صورها ومجازاتها الغريبة‪ ،‬فنصها‬
    ‫والشعر لا يضيء حياتنا فحسب‪ ،‬وإنما يتممها‬         ‫الشعري «يخلق شيئًا جدي ًدا في الجزئيات والكليات‬
    ‫من حيث كونه يكشف لنا عما تعجز عن تلمسه‬
 ‫حواسنا‪ ،‬وينقل لنا تلك العوالم الجديدة التي نرغب‬       ‫منه‪ ،‬حين يحدث علاقات ودلالات وصو ًرا تحمل‬
    ‫فيها‪ ،‬وليست العوالم التي نراها على الدوام»(‪.)3‬‬   ‫وسمه وذاتيته»(‪ ،)2‬تلك الذاتية التي تنبعث من لغته‬
   ‫وفي مقطع شعري آخر‪ ،‬ينهض النص على صور‬
   ‫شعرية مدارها الفضائي تلك الحكايات المرسومة‬                                              ‫الشعرية‪.‬‬
     ‫لتلك الحياة المتشظية غير المكتملة‪ ،‬التي تحاكي‬          ‫وفي مقطع شعري آخر‪ ،‬تتضح أزمة الممكن‬
     ‫كيانات مبعثرة تائهة‪ ،‬لتصبح إمكانات التخييل‬           ‫في عوالم الصورة الشعرية المتشظية‪ ،‬متداخلة‬
‫الشعري للصورة داخل النص قادرة على التقاط تلك‬              ‫المعاني‪ ،‬إنها أزمة مزدوجة بين الذات الشاعرة‬
      ‫الشظايا المبعثرة لهذه الكيانات التائهة‪ ،‬تقول‪:‬‬     ‫والنص‪ ،‬فعبر صور شعرية متاهية يغيب منطق‬
                                                      ‫الممكن‪ ،‬ليصل حد التوتر والفوضى‪ ،‬فوضى الذات‬
                              ‫«الندبة التي بالقلب‬
                         ‫عادة تشبه غابة محترقة‬                                 ‫وفوضى النص‪ ،‬تقول‪:‬‬
                 ‫أو قطا ًرا يائ ًسا يصعد إلى السماء‬                               ‫«الأعوام التي مرت‬
               ‫أتأكد أن قلبًا ذهبيًّا يتدلى من عنقي‬                               ‫كانت رعبًا كافيًا لي‬
    ‫حين أمر بكومة الجثث التي تركتها على الطريق‬
                        ‫كل هذه الانتصارات لي!!!‬                            ‫لا يعنيني أن تهديني وردة‬
                  ‫لماذا أتشبث بزهرة أوركيد جافة‬                             ‫أو تطلق مسدسك في فمي‬
             ‫وصور باهتة لمدن تخاف طعم القهوة‬                           ‫أحب أن أحتفظ بأشيائي جانبي‬
                                                                  ‫كتبي‪ /‬عطوري‪ /‬نظاراتي‪ /‬مكياجي‬
                               ‫وتشرب رائحتك؟‬
                               ‫لا أريدك أن تعود‬                                        ‫أقراط ضخمة‬
                             ‫أريد أن أبقى وحيدة‬                                     ‫أخفي بها وجهي‬
                ‫ككذبة لا يصدقها أحد»‪( .‬ص‪)30‬‬                 ‫كل شيء مكدس على الكومدينو فوق بعضه‬
‫وحتى لا نستبق الأحكام حول مدى علاقة الصورة‬                                  ‫بحرفة حارس فنار عجوز‬
   ‫الشعرية بالذات الشاعرة للمبدعة‪ ،‬يهمنا التأكيد‪،‬‬          ‫أمد يدي فأخرج قلائدي ذات القلوب اللامعة‬
   ‫على ما يحمله المتخيل الشعري وإمكانات التخييل‬                                ‫فأتذكر أني ذات وحدة‬
 ‫لديه من دلالات على تماسك الرؤية للذات الشاعرة‬                        ‫رميت قلبك من النافذة»‪( .‬ص‪)8‬‬
      ‫في النص (الندبة التي بالقلب عادة تشبه غابة‬          ‫عبر الديوان جاءت محاولات تعقبها محاولات‬
  ‫محترقة‪ /‬أتأكد أن قلبًا ذهبيًّا يتدلى من عنقي‪ /‬لا‬        ‫للالتئام وتجميع شتات الذات عبر التوحد بين‬
                                                      ‫الذات والحياة غير المكتملة‪ ،‬لكنها ما تلبث أن تنفك‬
                                                        ‫مرة ثانية (أحب أن أحتفظ بأشيائي جانبي‪ /‬كل‬
                                                        ‫شيء مكدس على الكومدينو فوق بعضه‪ /‬أتذكر‬
   100   101   102   103   104   105   106   107   108   109   110