Page 97 - ميريت الثقافية- العدد رقم 22 أكتوبر 2020
P. 97

‫‪95‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

    ‫قصــة‬

                                         ‫تيسير النجار‬

                   ‫رجل الخسائر العظيمة‬

‫حتى أكرهك يا رجل‪ ،‬لن أناديك برفيقي ثانية‪ ،‬مصر‬         ‫حين تدرك أنك على خطأ‪ ،‬يجب عليك أن تدرك ذلك‬
   ‫على معرفة سبب دفاعي عن ذلك الشاب‪ ،‬وبالرغم‬                                      ‫في الوقت المناسب‪.‬‬

 ‫من أنني لا أعرفه‪ ،‬حسنًا لأنه أنا‪ ،‬تخيل عبث الحياة‬  ‫الوقت المناسب لإصلاح ذلك الخطأ‪ ،‬والوقت المناسب‬
‫أن تسأل من هو في مكان ضحيتك وتود أن ينصفك‪.‬‬             ‫للطرف الآخر الذي أخطأت في حقه‪ ،‬قبل أن يفقد‬
                                                      ‫الرغبة في إصلاح ما أفسده الخطأ‪ ،‬قبل أن ينحيك‬
    ‫جاءني رجل معتذ ًرا عن سنوات عمري العشرين‬             ‫من حياته‪ ،‬ولا يكون بحاجة إليك أو لاعتذارك‪،‬‬
      ‫التي كدرها بوجوده فيها‪ ،‬كيف أغفر؟ أجبني‪،‬‬
                                                     ‫لأنه ‪-‬كما تعرف‪ -‬أن الاعتذار وحده لا يكفي‪ ،‬ماذا‬
   ‫تمنيت الموت يا رجل حتى تنتهي كل الآلام‪ ،‬أبشع‬        ‫يعني أن تعتذر عن الجرح الذي سببته لطفل ذي‬
‫العذابات تلك التي تكون مرتبطة بحياة شخص آخر‪،‬‬             ‫تسع سنوات‪ ،‬أنت لا تدرك أنك قدمت اعتذارك‬
                                                       ‫وهو في التاسعة والعشرين‪ ،‬لقد انتهى يا رفيقي‪،‬‬
    ‫والحل إما موتك أو موته‪ ،‬ولأنك مؤمن لن تقدم‬
  ‫على ذلك‪ ،‬وتظل تحمل صخرتك للأبد‪ ،‬ثم في نهاية‬        ‫فكرت بمناداتك يا صديقي‪ ،‬لكننا لسنا أصدقاء‪ ،‬هذا‬
   ‫حياته‪ ،‬يقول وهو مضطجع‪ :‬لنبدأ صفحة جديدة‪،‬‬           ‫الطريق جعلنا نجتمع فنحن رفقة وحسب‪ ،‬سأعود‬
  ‫عن أي صفحة جديدة يتحدث بعد كل هذا الخراب‪،‬‬           ‫لسؤالك «لماذا لا ينسون الماضي؟»‪ .‬وعرفت بعدها‬
‫الخراب الذي أحدثه يحتاج لعشرين عا ًما أخرى فقط‬         ‫أنك تقصد الأشخاص الذين تسببت في أذى كبير‬
  ‫لإصلاحه‪ ،‬أعرف أن كل ما يعنيه هو الأيام المتبقية‬   ‫لهم‪ ،‬نعود لمثال الطفل المجروح حين شججت رأسه‪،‬‬
                                                      ‫أنت مضيت في طريقك‪ ،‬وهو دخل منزله احتضنته‬
     ‫له في الحياة‪ ،‬يريد أن يعيشها في عناية شخص‬       ‫والدته ووضعت له البن على الجرح‪ ،‬توقف النزيف‪،‬‬
    ‫أحمق يتجاوز عن كل المصائب التي تم زجه بها‪،‬‬      ‫في الصباح بدل ثيابه الملطخة بالدماء‪ ..‬لا لا تقاطعني‬
‫ويبقى تحت قدمي عجوز‪ ،‬لو كان يمتلك صحة وقوة‬
                                                          ‫وتقول إن في وقت اعتذارك صار الجرح ندبة‬
                              ‫لاستكمل عذابه له‪.‬‬     ‫صغيرة غير مرئية لا تطلب كل هذا الانفعال‪ ،‬افهمني‬
   ‫من قال لك إن الماضي ينسى فهو مخطئ‪ ،‬الماضي‬
   ‫داخلي وداخلك‪ ،‬هو يحركنا نحو المستقبل‪ ،‬ويحدد‬         ‫يا رفيقي‪ ،‬إنه يحمل الصغير الذي جرحته داخله‬
  ‫اختياراتنا‪ ،‬وكذلك هذه الأخطاء اختيارك فلتحملها‬       ‫ومازال ينزف‪ ،‬ولأن ليس هناك طريقة لاختراقه‪،‬‬
‫للأبد‪ ،‬ولا تطلب من الآخرين أن يقاسموك بها‪ ،‬يكفي‬      ‫وإخراج الصغير واحتضانه والاعتذار له‪ ،‬فلذلك لم‬
                                                     ‫ينس‪ ،‬هو يستطيع الآن أن يشج رأسك لأنك صرت‬
                 ‫ما أنزل بهم من طغيانك وبطشك‪.‬‬          ‫عجو ًزا‪ ،‬تخيل لو سلب منك عصاك‪ ،‬ستسقط على‬
‫احذر‪ ،‬ستتعثر بالحجر‪ ،‬اللعنة على عينين لا تبصران‪،‬‬    ‫الفور‪ ،‬لكنه لن يفعل‪ ،‬يجب أن تشعر حياله بالامتنان‬
                                                      ‫وليس كل هذا الغضب‪ ،‬أنا لا أكرهك‪ ..‬أنا لا أعرفك‬
                                 ‫وقلب لا يشعر‪.‬‬
    ‫لقد انتهى الطريق‪ ..‬لكن تذكر أن طريق الحياة لا‬

                            ‫ينتهي بالموت‪ .‬ودا ًعا‪.‬‬
   92   93   94   95   96   97   98   99   100   101   102