Page 93 - ميريت الثقافية- العدد رقم 22 أكتوبر 2020
P. 93

‫‪91‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

    ‫قصــة‬

‫‪ -‬رجال الوالي يفكون مراكبنا ليستدفئ بها في ليالي‬  ‫‪ -‬في سجن القلعة أبي‪ ،‬اذهب به إلى القرية الساكنة‬
                                        ‫الشتاء‪.‬‬                                            ‫البحر‪.‬‬

        ‫حتى المغيب وأبي يتأمل السفينة وأنا أتأمل‬                                      ‫‪ -‬إن فعل ُت؟‬
                ‫الصيادين‪ ،‬حفاة‪ ،‬عراة‪ ،‬في ال َسحر‬                                ‫‪ -‬أصبح لك وطنًا‪.‬‬
                                       ‫قال أبي‪:‬‬   ‫اطفأ ْت القنديل‪ ،‬استتر ْت بالظلام وصوت أبي ضوء‬
                                     ‫‪ -‬اثقبوها‪.‬‬                              ‫شمعة يأرجحها الليل‪.‬‬

‫يهز البستاني ‪-‬أقصد كبيرهم‪ -‬رأسه بالإيجاب ثم‬                                            ‫‪ -‬سأرحل‪.‬‬
                                     ‫يسأل أبي‪:‬‬                             ‫‪ -‬أليس الصبح بقريب؟‬
                                                       ‫شاهد الصب ُح معه الفتا َة متوارية خلف ستائر‬
                                  ‫‪ -‬وإن عادوا؟‬    ‫النافذة‪ ،‬لمح أناملها تمسح دمعات بللت خدها‪ ،‬تشير‬
                         ‫‪ -‬العدل يحتاج إلى قوة‪.‬‬        ‫لأبي ليمتطي دابتها‪ ،‬قالوا تسلق الأسوار‪ ،‬على‬
 ‫أبصر مع الصبح حمام ًة تهدل مع أترابها‪ ،‬فاطمئن‬     ‫ضوء المشاعل سار في السراديب‪ ،‬على صوت أبيها‬
     ‫قلبه وحكى لي ما جرى‪ ،‬عندما سكنت الشمس‬              ‫حطم الأصفاد‪ ،‬أطلق أبي السؤال من صدره‪:‬‬
       ‫منتصف النهار مالت السفينة ورجال الوالي‬
     ‫يوكزون خيولهم‪ ،‬يتأملونها‪ ،‬يعضون شفاههم‬                                        ‫‪ -‬لماذا سجنت؟‬
   ‫حز ًنا‪ ،‬يبحثون عن أبي في بيوت من الخوص‪ ،‬لم‬                                      ‫أجاب السجين‪:‬‬
     ‫يجدوه فأحرقوها‪ ،‬يبحثون عن أبي في قصائد‬
      ‫السجين فقطعوا لسانه‪ ،‬يبحثون عن أبي بين‬                                           ‫‪ -‬قصيدة‪.‬‬
    ‫الصلب والترائب فجلدوا كبير الصيادين فهجر‬            ‫تحسست يد السجين الدابة‪ ،‬طفرت دمعة من‬
   ‫البحر إلى البستان‪ ،‬يبحثون عن أبي في الروضة‪،‬‬      ‫عينيه‪ ،‬مسحها أبي بكم قميصه‪ ،‬على ضوء الفجر‪،‬‬
    ‫جاءوا بالفتاة إلى قصرك جارية‪ ،‬وجدوه أسفل‬        ‫بحفنة ماء مسح أبي النوم عن عينيه‪ ،‬بين قطرات‬
     ‫الشجرة‪ ،‬كان يروي قص ًصا‪ ،‬مسح على رأسي‬             ‫الماء المتساقط عن وجهه‪ ،‬أبصر السجين يطلق‬
                                                    ‫حمامة في الفضاء في طريق القرية كانت الشجرة‪،‬‬
                                          ‫وقال‪:‬‬      ‫عند الشجرة فك أبي قطعة القماش‪ ،‬بسط الجبن‬
   ‫‪ -‬في العدل فقط تعيش الحرية‪ ..‬في العدل تعيش‬          ‫على وجه الرغيف‪ ،‬قسمه بيننا ثم الماء ارتشفنا‬
                                                    ‫‪-‬كما ترتشف الآن أقداح الخمر‪ ،-‬الخمر جاء من‬
                 ‫الحرية‪ ..‬في العدل تعيش الحرية‪.‬‬    ‫روضتها‪ ،‬في روضتها عناقيد العنب‪ ،‬عناقيد العنب‬
                                   ‫قال رجالك‪:‬‬        ‫تقطفها أصابع الصغار‪ ،‬الصغار متسخو الثياب‪،‬‬
                                                  ‫يزدردون لعابهم أم ًل في حبة واحدة‪ ،‬يخشون عصا‬
       ‫‪ -‬إنه شنق نفسه ثم حرق ساقيه وسرواله‪.‬‬        ‫البستاني ‪-‬البستاني سأحيطك به خب ًرا‪ ،-‬ارتشف‬
  ‫يا سيدي كذبوا بما أخبروك وكذب َت بتصديقهم‪،‬‬         ‫الآن من يد الساقي الأخرس‪ ،‬الأخرس هو ثالثنا‬
    ‫أراك الآن ترتشف دم أبي‪ ،‬الذي سمعت جدران‬
                                                                                ‫يقتسم معنا الخبز‪.‬‬
     ‫البيوت صراخه‪ ،‬فتململ أصحابها في سباتهم‪،‬‬           ‫نسير صوب البحر‪ ،‬الفتاة نائمة في عين ْي أبي‪،‬‬
                     ‫أتعرف لماذا أكتب يا سيدي؟‬      ‫أسمع صوتها في ضحكة‪ ،‬الساقي يغني قصائده‪،‬‬
                                   ‫أكتب لأخبرك‬    ‫يرددها الذاهبون والعائدون‪ ،‬تطير فراشات نورانية‬
                        ‫أن جسد أبي مازال رطبًا‬     ‫في غسق الليل‪ ،‬أرهف وأنا بين ساعدي أبي‪ ،‬أرهف‬
                            ‫وأن الحبل لن ينقطع‬        ‫في الضجر في الليل‪ ،‬عيناي تصحوان على هدير‬
                           ‫وأن الجذع لن ينكسر‬     ‫الموج‪ ،‬الموج يداعب سفينة لم أر مثلها‪ ،‬أمامها بيوت‬
                                                   ‫من الخوص‪ ،‬يخبر العيال أهلهم بمقدمنا‪ ،‬يتقدمهم‬
‫وأن صغيري سيخبر كل السائرين على طريق أبي‪،‬‬         ‫البستاني‪ ،‬البستاني كبيرهم‪ ،‬يصافح أخاه ‪-‬الساقي‬
   ‫أكتب لأخبرك بأنني معلق هناك بجوار أبي‪ .‬كما‬
                                                                              ‫الآن‪ -‬ثم ينظر لأبي‪:‬‬
‫تدور طيور الموت في السماء يدور في رأسي صوت‬
                                 ‫أبي وهو يردد‪:‬‬

‫‪ -‬في العدل تعيش الحرية‪ ..‬في العدل تعيش الحرية‪.‬‬
   88   89   90   91   92   93   94   95   96   97   98