Page 92 - ميريت الثقافية- العدد رقم 22 أكتوبر 2020
P. 92
العـدد ١٩ 90
يوليو ٢٠٢٠
مصطفى سليمان
رسالة ابن المشنوق
-أ أنت القوي الأمين؟ سيدي الوالي:
لاذ بالصمت ،فأردف ْت: أنا ابن الرجل المشنوق على الشجرة ،الشجرة
القاعدة منذ ميلادها فوق الربوة ،الربوة الجالسة
-السنوات عجاف. على أحد جانبي الطريق ،الطريق الممتد من قصرك
نظر إلى جسدي النحيل وابتلع غصة ،فأردفت: إلي شاطئ البحر ،البحر ينام موجه عند بيوت
الصيادين ،الصيادون يجمعون السمك في قواربهم،
-أسفل جدار روضتي كنز. قواربهم يبتلعها الموج ،الموج رأى رجالك يحطمون
نكس ْت رأسها ،رأسها يراقب إصبع قدمها ،إصبع سفينتهم ،سفينتهم التي ثقبها أبي ،أبي المعلق منذ
بضع سنين أعلى الربوة ،الربوة تراقب المارة وهم
قدمها َيطر ُد ذرة رمل تسلقت نعلها ،يمسك يختلسون النظر إلى جسده في ذهابهم وعودتهم،
أبي بعصاه التي ورثها عن أبيه –هي الآن في يد في عودتهم يسترقون السمع لبكائي ،بكائي يسيل
صغيري– تار ًكا خلفه رغيف خبز يحيط بقطعة جبن من عيوني ،عيوني التي تراقب الجسد المعلق بين
ملفوف في خرقة ،سار خلف الفتاة ،الفتاة التي الشجرة والأرض ،الأرض التي تشتاق لاحتضان
تداعب أصابعك الآن شعر رأسها ،رأسها النائم أبي ،أبي ما زال طازج البدن لم ينتفخ ،لم يتعفن،
فوق فخذك ،الهواء يداعب ثوبها فيرسم جسدها حتى خمن ُت أن الجس َد لم تهجره الروح ،الروح
تركته بار ًدا ،حين تعلق ُت بساقيه وسرواله المحترق
وربما أرسلت النسمات إليه فزعق: وبكي ُت ،بكي ُت حتى سقط ُت على الأرض ،الأرض
-اتبعيني ،وصفي لي الطريق. تشاركني النظر إلى السماء ،السماء تظلل طيور
الموت ،التي تدور في الفضاء سبع دورات متتالية
عند بيتها تسعة رجال ،لم يقو واحد منهم على في اليوم الواحد ثم ترحل لتأتي ،تأتي إلى الآن،
الهروب من عصاه ،بعصاه هدم الجدار ،أخرج الآن أنت تقرأ الرسالة ،الرسالة تتمسح في أصابع
الكنز ،زغرد وجهها ،وجهها شاهد البناءين وهم الفتاة ،الفتاة التي جاء ْت يو ًما لأبي ،أبي كان أسفل
الشجرة ،الشجر ُة َتأم َلتها مع أبي ،ممشوقة القد،
يشيدون جدا ًرا أمام روضتها ،الروضة أمام
البيت ،البيت من حجر ،الحجر يحن لرؤية جسدها، واسعة العينين ،طازجة الوجه ،تساءل ْت:
جسدها المستتر خلف الستائر ،الستائر تخبر أبي
بدعوة الفتاة ،الفتاة ممددة على فراشها ،هم بها
فتساءلت:
-وحق الخاتم؟
تسمر في مكانه ،فأردفت: