Page 87 - ميريت الثقافية- العدد رقم 22 أكتوبر 2020
P. 87
85 إبداع ومبدعون
قصــة
ونسيت حذائي الذي بحاجة للتنظيف والتلميع. -2الطريق إلى كا ازبلانكا
بدأ الفيلم وجلست لا أريد أن يقطع أحد عليَّ المتابعة،
سارت الأمور على ما يرام إلى أن وصل المشهد الذي منذ أكثر من أسبوعين وأنا أخطط لتصحيح أوراق
امتحانات الطلاب ،فقد تراكمت وما وجدت بعد طري ًقا
ضم البطلين في حانة الميناء ،وقد جلسا يشربان إلى الانتهاء من تصحيحها ،دائ ًما هناك شيء ما يدخل
الاسبريسو ،وقبلها سمعت وشيش ماكينة القهوة
وشهقاتها المتكررة بالبخار المندفع ،ورائحة البن على الخط فيؤخر ذلك.
البرازيلي النفاذة تصل لي فأشمها كما لو كنت قريبًا اليوم جمعة ،جميل هذا اليوم ،لا دوام أسمع فيه
سؤا ًل من طالب ،ولا ضجة في الصف أو الممر ،ولا
من ماكينة القهوة. فيها كتابة على السبورة ،ولا غبار طباشير يملأ
ما أحلى رائحة البن المطحون ،ما أحلى إنجريد
برجمان في معطفها الصوفي الناعم بحمرته الداكنة، الأجواء من حولي.
سحر آسر لا يفلت منه أحد وهي تمد أصابعها أثناء الإفطار طلبت أمي أن آتيها بكيلو «كعك
الدقيقة الرشيقة الناعمة النورانية المرتجفة قلي ًل على بالسمسم» متى تهيأت لي فرصة لذلك ،لأن خالتي
الطاولة ،فيلتقطها همفري بوكارت غير مصدق ولا وابنتها ستأتيان لزيارتها عصر اليوم .قلت :من
آبه في الوقت نفسه ،وقد كانا يحتفيان باللقاء بعدما ستأتي مع خالتي من ابنتيها ،سعاد السمينة أو زينب
تباعدا ،قالت :لا تتعجل في شرب الاسبرسو فالليل الحولة؟ قالت :ستأتي معها زينب ولعلمك ،هي حولة
لكن ح َولها من النوع الذي يزيدها حسنًا وجما ًل،
طويل في كازابلانكا. لطالما تمنّت البنات أن يكون لهن َح َول ك َح َولها .قلت:
في هذه اللحظة بالذات وصل نداء أمه عاليًا :تعال، سآتي بالكعك يا أمي سواء جاءت هذه أو تلك.
الحقني ،طفح المرحاض بما فيه ،عليك أن تجد له ح ًّل فكرت أن أبدأ يومي أو ًل بتنـظيف حذائي وتلميعــه،
فقد رجعت منتصف ليلة أمس من سهرة قضيتها
نهائيًّا ،لا يمكن أن يطفح علينا كل يوم. كالعادة في نادي المعلمين مع الأصدقاء ،لا أدري
ضاعت أنامل إنجريد أو اختفت من على الطاولة، بماذا تعثّرت في الزقاق المظلم ،أتعثّرت بجرو غاف أم
واختفى وجه همفري بوكارت ،فما عدت أدري :هل قطة نافقة أم بكوم من قمامة أم صفيحة متبعجة ،هل
أتى همفري بوكارت على الاسبرسو أم لا؟ هل كان غطس حذائي في مياه ضحلة؟ لا أستطيع الذهاب إلى
نادي المعلمين الليلة وحذائي كحذاء متشرد ،لا يمكن
الليل في كازابلانكا طوي ًل كما قالت إنجريد؟ التساهل في هذا الأمر ،عليَّ أن أنظفه وأمسحه وأدهنه
وألمعه ليعود من حذا ًء يليق بمدرس لغة إنجليزية،
-3دنت الساعة وانشق القمر معروف لدى الطلاب جمي ًعا أنه ينطق الحروف
بسبب كاميرا مستعملة اشتراها من «سوق هرج»، والكلمات كما ينطقها الإنجليز.
ف ّكر مجيد ج ّد ًّيا بتغيير مهنته ويفتح مح ًّل للتصوير. لكن قبل أن يبدأ بهذه أو تلك ،قام إلى التليفزيون
قبل هذا أتقن مجيد إصلاح أجهزة الراديو وله محل يفتحه ،فسره أن سمع المذيعة تعلن بصوتها الرخيم
أن فيلم الجمعة الصباحي هو «كازابلانكا» ،فارتاح
صغير في السوق هناك ،كان يحصل من عمله ذاك للمفاجأة ،كازابلانكا فيلم حسن الصيت وفاز بجوائز
على دخل كا ِف ،لكن ،لم تعد المهنة كما كانت ،الأمور
عالمية معروفة.
تغيرت وما عاد الحال مثل السابق. سيرى إنجريد بيرجمان التي ما ارتقت ممثلة أخرى
اشترى مجيد الكاميرا فوقع في هوى التصوير
الفوتوغرافي .أخذ يص ّور بها هذا وذاك ،هذا المبنى أب ًدا إلى جمالها وروعتها في الأداء ،ويرى همفري
وذلك الجسر ،والتقط بعدسته مواقف معينة ،وبدأ بوكارت معها ،فماذا يريد أكثر من هذا في جمعة
يؤمن أن الحياة فقاعة ،عليه أن يصورها قبل أن كهذه! نسيت أوراق الامتحانات والكعك بالسمسم،
تنفجر.
عندما رأى هادي الذي يتعامل بالحاجات القديمة
في سوق هرج ،صديقه مجيد والكاميرا بيده ،قال: