Page 88 - ميريت الثقافية- العدد رقم 22 أكتوبر 2020
P. 88

‫العـدد ‪١٩‬‬   ‫‪86‬‬

                                                     ‫يوليو ‪٢٠٢٠‬‬

   ‫«دنت الساعة وانشق القمر»‪ .‬كثي ًرا ما يردد هادي‬
  ‫هذا القول‪ ،‬لكن في كل مرة يختلف معناها‪ ،‬فحسب‬
   ‫الموقف الذي هو فيه يتحدد المعنى‪ .‬هادي لم يحب‬
‫الشعر يو ًما‪ ،‬لكن لسبب ما حفظ هذين البيتين لامرئ‬
  ‫القيس‪ :‬دنت الساعة وانشق القمر‪ /‬عن غزال صاد‬

     ‫قلبي ونفر‪ /‬أحور قد حرت في أوصافه‪ /‬ناعس‬
    ‫الطرف بعينيه حور‪ .‬ويقرأ هذا في جلساته الليلية‬

                    ‫أمام باب الخان الذي ينام فيه‪.‬‬
  ‫في أول رمضان‪ ،‬كانت الظهيرة حارة فالتجأ هادي‬
  ‫إلى ظل في زاوية بعيدة عن الأعين ليدخن سيجارة‪،‬‬
 ‫أخذ ينفث دخانها بتر ٍّو‪ ،‬وفجأة داهم المكان شرطيان‬
  ‫ما رحماه بسبب إعلان إفطاره‪ ،‬أحدهما أحكم القيد‬
    ‫في رسغيه قبل أن يقوده إلى مخفر الشرطة‪ .‬سار‬

                      ‫هادي معهما والقيد في يديه‪.‬‬
 ‫اغتم مجيد انشغال الشرطيين فالتقط صورة‪ ،‬وذهب‬
‫بالفيلم إلى منير صاحب محل التصوير القريب فظهر‬

     ‫بالصورة هادي مقيّد اليدين وشرطي على يمينه‬
                            ‫وشرطي على اليسار‪.‬‬

 ‫وضع مجيد إطا ًرا للصورة التي كان حجمها بحجم‬
  ‫ورقة الفولسكاب وعلّقها داخل محله ذاك الذي كان‬
   ‫قب ًل مح ًّل لتصليح أجهزة الراديو وفي مكان بارز‪،‬‬
 ‫وأشار عليه بعضهم‪ ،‬أن الصورة لا معنى لها بدون‬
  ‫كتابة تؤرخ للحادث أو تعبّر عنه فقال مجيد‪ :‬وماذا‬

     ‫تقترحون أن أكتب؟ قال بعضهم‪« :‬لن ننساك يا‬
   ‫هادي»‪ .‬أعجب مجيد بالفكرة واستحسنها‪ ،‬لكن ما‬
  ‫زعزعها هو جملة ثانية تذكرها فجأة «دنت الساعة‬
‫وانشق القمر»‪ ،‬هادي يحبها وكثي ًرا ما تغنى بها‪ ،‬إذن‬

                   ‫هي أفضل من أي جملة غيرها‪.‬‬
‫طلب مجيد من شخص أن يخط له ما أراد‪ ،‬وبعد ربع‬
‫ساعة كانت الكتابة بخط الرقعة معلقة تحت الصورة‬

                                 ‫وهادي في القيد‪.‬‬
 ‫بعد أقل من ساعة وقفت سيارة «لاند كروزر» أمام‬

    ‫المحل‪ ،‬ظن مجيد أن لديهم راديو كهربائي عاط ًل‬
‫يريدون إصلاحه‪ ،‬لكن لا‪ ،‬نزل منها ثلاثة رجال كانوا‬

    ‫من الأمن السياسي أو من ميليشيا‪ ،‬بانت أطراف‬
  ‫مسدساتهم من وراء ما عليهم من سترات ارتدوها‬
‫واتجهوا إليه وما سألوه إلا سؤا ًل واح ًدا‪« :‬ساعة من‬

                        ‫التي دنت يا ابن الكلب؟!»‪.‬‬
   83   84   85   86   87   88   89   90   91   92   93