Page 90 - ميريت الثقافية- العدد رقم 22 أكتوبر 2020
P. 90
العـدد ١٩ 88
يوليو ٢٠٢٠
جنحت إلى الهدوء ،ما جعله يشعر بالارتياح قلي ًل
وعدم التوتر ،لكن نظراتها المصوبة إليه ،كانت
تعلن عن الضيق ،ونفاد الصبر ،إلا أنه ،كان يحاول
تجاهلها ،متحام ًل على نفسه ،مفار ًقا وعيه الحقيقي،
مستر ًّدا وعيه المخ َّدر لاستئناف مهمته.
في هذه المرة ،عاد الصراخ ،ممهو ًرا بالرغبة والألم،
صار خلفية نادرة ،وفرها الحظ الجيد للمرأة ،كانت
ُتحلِّق معه بعي ًدا ،تحت سماء دافئة ،كأنثى شاعرية،
غافلة عن التوتر الذي داهمه ،لقد ساوره ما يشبه
الغياب ،والخمود ،أشياء لم تحدث من قبل في
مسيرته.
بعد قليل ،عندما أدركت ما يحدث ،نهضت غاضبة،
والتقطت سيجارة من علبته ،أشعلتها وهي تحدق
إليه.
أقرت بأسى:
-لم أعش -يو ًما -كبقية النساء.
الكلمات تثقب قلبه ،تخترقه بقسوة ،تسحب منه
كبرياءه ،وهي ترن في أذنه عبر هذا الصمت العميق،
الخالي من المواء الوحشي ،الذي يمزق أستار الليل،
بدأ يستنزف ذاكرته ،يستعيض عالمًا خصبًا ،ربما
استعاد جاهزيته على نحو أفضل ،فتسلل شيء من
التوفيق ،استعادت المرأة معه سعادتها المفقودة،
لكنها تحتاج إلى محفزات ،إلى تلك الأصوات ،كي
تشعل النيران وتنعش جذلها الطارئ ،بالفعل ،ومع
تمنياتها العميقة ،انطلقت مظاهرة كبرى ،تداخلت
أصوات حشد من القطط ،متصايحين دفعة واحدة.
بلوعة ،انتبه عم سيد بشدة ،اعتبر أن ما يحدث
مؤامرة كونية ،تديرها هذه الحيوانات للقضاء
على حلمه في الحصول على ثروة كبرى ،قدر عنيد
يحاصره ،تخيل المرأة تلملم أشياءها ،تهرب بها في
الصباح الباكر ،معلنة على الملأ أن تاريخه ضرب من
الوهم والتزييف ،كانت الأصوات مزعجة إلى أقصى
حد ،هبطت به إلى جنون حقيقي وهو ملتصق
بفراش موحش وحافل بالعذاب ،يصغي في كمد
إلى هذه الهذيانات ،فانتفض ثائ ًرا ،والتقط هراوة
يدخرها للعراك ،وفتح باب سكنه بعنف ،فرت معه
القطط ،فيما عدا ق ًّطا ضخ ًما ،ظل ماكثًا على الدرج،
يعلو قطة صغيرة ،قاب ًضا بأسنانه على مؤخرة
عنقها ،يسمرها في الأرض لشل حركتها ،مواص ًل