Page 137 - ميريت الثقافية- العدد رقم 22 أكتوبر 2020
P. 137

‫لماذا نتوهم نحن صرا ًعا بين غرب‬                                    ‫جاليليو‬
  ‫وشرق؟ نقف له على أطراف أصابعنا‬                                      ‫جاليلي‬
‫ونتصنع بهمة واقتدار مناطق الاختلاف‪.‬‬
 ‫نلوي رقاب العالم من حولنا لاتباع ما‬
‫ليس مفتر ًضا أو جبًرا أن يتبعوه‪ ،‬ونقدم‬
‫بضاعتنا كمروج خائب في سوق القديم‬
‫والمستعمل وهو يعلم بوارها‪ .‬ونحن‬

             ‫بإصلاحها أولى!‬

‫الرحيم‪ ،‬وأصحاب النبي صلى الله‬         ‫يتوجس من الفتن والمجازر إذا‬       ‫يزيد بالعهد دون سواه إنما هو‬
   ‫عليه وسلم‪ ،‬أولى الناس بمقام‬        ‫جعلها شورى‪ ،‬وقد رأى القوة‬       ‫مراعاة المصلحة في اجتماع الناس‪،‬‬
                                     ‫والطاعة والنظام والاستقرار في‬
 ‫العذر والعفو من الله‪ .‬والله تعالي‬                                     ‫واتفاق أهوائهم باتفاق أهل الحل‬
                                             ‫الجانب الذي فيه ابنه»‪.‬‬    ‫والعقد عليه حينئذ من بني أمية‪،‬‬
                        ‫أعلم»(‪)16‬‬        ‫والحاصل أن معاوية رضي‬
‫إلى هنا ولسنا في موقف تكذيب أو‬            ‫الله عنه قد فعل في ذلك ما‬       ‫إذ بنو أمية يومئذ لا يرضون‬
 ‫إنكار‪ ،‬بل المفترض فينا التصديق‬        ‫يراه الأصلح لحال الأمة وقت‬     ‫سواهم‪ ،‬وهم عصابة قريش وأهل‬
‫لكون أبطال تلك الرواية الناريخية‬      ‫اختلافها وحصول الاضطراب‬
‫صحابة أوائل مشهود لهم ومنهم‬           ‫في صفوفها‪ ،‬ورأى أن تحصيل‬            ‫الملة أجمع‪ ،‬وأهل الغلب منهم‪،‬‬
‫كاتب قرآن ومن بيت النبوة‪ .‬لكن‬       ‫مقام الاجتماع ودرء الفتنة‪ ،‬أولى‬    ‫فآثره بذلك دون غيره ممن يظن‬
                                     ‫من الوفاء بالشرط الذي شرطه‬         ‫أنه أولى بها‪ ،‬وعدل عن الفاضل‬
    ‫‪-‬وفي الوقت ذاته‪ -‬نحن أمام‬       ‫عليه الحسن‪ ،‬رضي الله عنه‪ ،‬عند‬       ‫إلى المفضول حر ًصا على الاتفاق‬
‫إعمال عقل وأسئلة حول ما تركته‬        ‫تنازله عن طلب الخلافة‪ ،‬وبيعته‬
                                    ‫له؛ وقد جاءت الشريعة بتحصيل‬            ‫واجتماع الأهواء الذي شأنه‬
  ‫وتؤصله تلك الرواية ومثيلاتها‬           ‫المصالح وتكميلها‪ ،‬وتعطيل‬          ‫أهم عند الشارع‪ ،‬وإن كان لا‬
  ‫من ترتيب ثقافي ومدرك تتناقله‬                                           ‫يظن بمعاوية غير هذا‪ ،‬فعدالته‬
  ‫العامة من الناس‪ ،‬لا يجرؤ أحد‬                     ‫المفاسد وتقليلها‪.‬‬    ‫وصحبته مانعة من سوى ذلك‪.‬‬
‫مهما يكن قدره على نفيه أو إلغائه‬    ‫ثم إن غاية ما يقال في هذا الأمر‪:‬‬     ‫وحضور أكابر الصحابة لذلك‪،‬‬
‫أو التعديل عليه أو تصحيحه لأنه‬       ‫إن معاوية رضي الله عنه‪ ،‬وهو‬         ‫وسكوتهم عنه‪ :‬دليل على انتفاء‬
‫مثبت في متن الكتب المتداولة‪ ،‬ولا‬                                       ‫الريب فيه‪ ،‬فليسوا ممن يأخذهم‬
 ‫يمكن أن يقبل العقل –الآن‪ -‬بتلك‬       ‫خليفة المسلمين‪ ،‬اجتهد في هذه‬       ‫في الحق هوادة‪ ،‬وليس معاوية‬
  ‫المقولة الأقرب إلى السذاجة بأن‬     ‫النازلة؛ فإن كان قد أصاب فيه‪:‬‬
  ‫لهم ما لهم وعليهم ما عليهم في‬        ‫فله أجران‪ ،‬وإن كان قد أخطأ‪،‬‬           ‫ممن تأخذه العزة في قبول‬
                                                                        ‫الحق‪ ،‬فإنهم كلهم أجل من ذلك‪،‬‬
    ‫أمر حياتي ونظام حكم وولاة‬            ‫فله أجر واحد‪ ،‬إن شاء الله‪،‬‬   ‫وعدالتهم مانعة منه» وقال أي ًضا‪:‬‬
   ‫هم أولي أمر عظام بالضرورة‪،‬‬         ‫وما وقع له في ذلك أو في غيره‬       ‫عهد معاوية إلى يزيد خو ًفا من‬
   ‫ولا يخفى على أحد أن مواقفهم‬       ‫من نقص أو قصور أو تقصير‪،‬‬          ‫افتراق الكلمة»‪ .‬وقال محب الدين‬
   ‫وأعمالهم ومآثرهم عند الناس‬         ‫فهو في محل العفو من الرحمن‬
   ‫أقوى من أي علامة وأرفع من‬                                               ‫الخطيب رحمه الله في تعليقه‬
                                                                        ‫«عدل عن الوجه الأفضل لما كان‬
   132   133   134   135   136   137   138   139   140   141   142