Page 138 - ميريت الثقافية- العدد رقم 22 أكتوبر 2020
P. 138

‫العـدد ‪١٩‬‬                            ‫‪136‬‬

                                    ‫يوليو ‪٢٠٢٠‬‬

     ‫عقيدة ثابتة‪ ،‬والعقائد كلها لا‬    ‫وفتح الباب على مصراعيه أمام‬               ‫أفقه فقيه جاء من بعدهم!‬
    ‫تقبل بغير الاستقرار واليقين‪،‬‬    ‫التأويل المفرط واستدعاء المناسب‬          ‫نخلص من هذه الرواية بعدة‬
    ‫أما عن الثقافة في مجملها من‬                                            ‫أسئلة منطقية‪ ،‬يتخذ البعض من‬
  ‫أنشطة ف ّعالة لا تقبل الاستقرار‬       ‫من نصوص دون وقوف على‬                ‫مواقفها نموذ ًجا وقدوة لتبرير‬
     ‫والثبات‪ ،‬بل هي ضده فتنمو‬         ‫سبب خروج النص وزمنه‪ .‬هي‬            ‫أفاعيله‪ :‬معاوية الصحابي الجليل‪،‬‬
   ‫وتستحدث وتتغير وفقا لمعايير‬                                              ‫أخذ الولاية عنوة وتحت ضغط‬
    ‫زمانها ومستحدثاته‪ ،‬فالثقافة‬                   ‫الثقافة ومدركاتها!‬          ‫وإجبار رغم البيعة‪ ،‬فانصاع‬
   ‫كائن حي يولد ويتوالد ويشيخ‬          ‫إن بداية ظهور لفظة (الثقافة)‬        ‫الطاهر الحسن بن علي إلى الأمر‬
  ‫ويكبر ويموت فيولد ويتبدل من‬           ‫واستخدامها عربيًّا كاصطلاح‬        ‫الواقع رغم البيعة له‪ ،‬حقنًا لدماء‬
    ‫حال إلى حال‪ .‬ولنضرب مث ًل‬                                               ‫المسلمين وخرج من الناس من‬
  ‫قريبًا‪ :‬فنظرية النسبية وما نتج‬         ‫مجرد مطلق دون فهم كامل‬           ‫يبرر لمعاوية باستدعاء الأحاديث‬
‫عنها من تحولات في المنتج الثقافى‪،‬‬     ‫له‪ ،‬قد أوقعنا في إشكالية وعرة‬          ‫النبوية المناسبة؟! حين تعاهدا‬
 ‫أو البنيوية والتفكيكية وما طرحه‬     ‫يصعب الخروج منها حتى الآن‪،‬‬          ‫ووافق في ظلها البقية من صحابة‬
‫جاك دريدا وبالتالي ما ترتب عليها‬     ‫بل إنها تجذرت وأصبحت في كل‬                ‫أجلاء وتراجعهم عن البيعة‬
     ‫في العالم من متغيرات ثقافية‬      ‫أدبياتنا وعلى لسان البعض من‬         ‫للحسن إلى البيعة لمعاوية‪ ،‬ورحل‬
                                     ‫مثقفينا دون وعى‪ ..‬لقد استخدم‬        ‫الحسن ومن معه إلى المدينة وترك‬
     ‫وأشكال إبداعية‪ ،‬ما علاقتها‬                                             ‫العراق بعد منح معاوية الهدايا‬
      ‫بالدين والمعتقد الراسخ؟ ثم‬           ‫المصطلح لإدماج اتجاهين‬           ‫للحسن‪ .‬من مال المسلمين؟! أم‬
 ‫أضف إلى تلك الأمثلة أمثلة كثيرة‬       ‫منفصلين بقصد وسوء نية أو‬           ‫من ماله الخاص؟! ومن أين له؟!‬
    ‫ومتعددة تشكل البنية الثقافية‬        ‫بغير قصد‪ ،‬أولهما‪ :‬الاعتراف‬       ‫هل نعتبرها عطايا إرضاء في نظير‬
 ‫لأي مجتمع‪ ،‬كاستخدام الوسائط‬
 ‫الحديثة في الحياة اليومية‪ ،‬المترو‬       ‫بمجموعة النشاطات العقلية‬                 ‫تنازله؟ وقبلها الحسن؟!‬
   ‫والطائرة والانتقال عبر الأنفاق‬      ‫والفكرية بما في ذلك الانطلاق‬      ‫حين دعى معاوية لبيعة يزيد بعد‬
 ‫والفضاء‪ ،‬وما ترتب على كل ذلك‬       ‫نحو التجديد والتحديث‪ ،‬وثانيهما‪:‬‬
   ‫من تغير في التشكيل الثقافي أو‬                                            ‫أن رتب ملكه وعضده بأقربائه‬
  ‫البنية الثقافية من سرعة انتقال‬           ‫التمسك بما هو قديم ‪-‬كل‬          ‫وذويه‪ ،‬فكانت لهم الغلبة حسب‬
 ‫وسهولته وفوارق أزمنة وقواعد‬            ‫القديم‪ -‬وعدم الانفلات منه‪..‬‬
   ‫تعامل جماعي معها ثم قوانين‬           ‫انطلاق مرجعيته دينية وجب‬               ‫الروايات‪ ،‬مما اضطر بعدها‬
 ‫الانتقال وقيودها والتصريح بها‬         ‫الالتزام بها‪ ،‬ومن ثم تحريم أو‬      ‫الحسن بن علي ومعه البعض من‬
  ‫واحترامها وأثر كل ذلك في نقل‬           ‫تجريم أو تقييد أية نشاطات‬
‫المعرفة والثقافة وتبادلها‪ ،‬ما دخل‬       ‫تحديثية معاصرة تصطدم أو‬             ‫الصحابة إلى الصمت والانزواء‬
   ‫هذه التحولات والمتغيرات كلها‬                                          ‫والامتناع عن البيعة ليزيد‪ ،‬ووجد‬
‫بثوابت المعتقد؟ فإذا كانت الإجابة‬         ‫تتعارض بالضرورة مع ما‬
     ‫بلا‪ ،‬فعليه لا يكون الدين من‬         ‫هو كائن‪ ،‬حتى اللغة العربية‬         ‫معاوية من يبرر فعلته بتأويل‬
 ‫الثقافة في شيء لثباته ورسوخه‬          ‫وتابوهها المقدس الذي روج له‬            ‫النص على غرار «اطيعوا الله‬
                                         ‫ولا يزال وكل منتجات اللغة‬           ‫واطيعوا الرسول وأولي الأمر‬
                        ‫اليقيني‪.‬‬      ‫العربية وثقافتها على اعتبار أنها‬       ‫منكم»‪ ،‬دون النظر في الغرض‬
   ‫لكن الثقافة ومنتجاتها قد تبدو‬      ‫من َّزلة من َّزهة‪ ،‬فأصبحت الثقافة‬      ‫الدفين‪ .‬ألا تعتبر الفعلة نق ًضا‬
 ‫من أصل ثابت موروث‪ ،‬إنما هي‬          ‫قي ًدا على كل من ينتهج أساليبها‪،‬‬        ‫للعهد تستوجب الخروج عليه‬
‫في الحقيقة مجموعة من التركيبات‬         ‫وأصبح تداولها محكو ًما رهن‬                   ‫وعدم الطاعة وخلعه؟!‬
    ‫المعقدة قد خلقت في مكانها أو‬         ‫تصريح بقوانين عرفية أكثر‬
                                        ‫انغلا ًقا‪ ..‬لذلك دعونا لا نخلط‬   ‫هي أسئلة العقل في موقف كهذا‪..‬‬
                                     ‫الأوراق‪ ،‬فالدين ليس ثقافة لكنه‬        ‫وما أكثرها من مواقف وأكثرها‬
                                    ‫جزء منها ولا يؤثر فيها‪ ،‬بل يجب‬         ‫دموية‪ .‬هي أفعال بداوة وعرقية‬
                                      ‫ألا يؤثر فيها‪ ،‬إذ إنه في الحقيقة‬     ‫وقبلية‪ ،‬وطمع في جاه وسلطان‪،‬‬
                                    ‫داعم لها ومحرض عليها‪ ..‬والدين‬
   133   134   135   136   137   138   139   140   141   142   143