Page 135 - ميريت الثقافية- العدد رقم 22 أكتوبر 2020
P. 135

‫‪133‬‬  ‫تجديد الخطاب‬

     ‫فيما بعد كقياس و ُتبني عليه‬                                                                                                                                 ‫إن التاريخ العربي الإسلامي‬                             ‫والنقل!‬
‫ثقافة جذرية تعديلها أو مناقشتها‬                                                                                                                             ‫مليء بالتحولات الحادة والجذرية‬         ‫أمة كاملة ينتهي اجتهادها عند‬
                                                                                                                                                            ‫بكل متناقضاتها‪ ،‬والتأويل المفرط‬     ‫القرن الرابع الهجري لتظل واقفة‬
  ‫والخوض فيها يفضي إلى موت‬                                                                                                                                                                         ‫عنده دون اجتهاد أو تعديل أو‬
                         ‫محقق‪.‬‬                                                                                                                                  ‫مع محدودية الزمن وبدائيته‪،‬‬
                                                                                                                                                                ‫فمن غير المعقول أن بل ًدا بمثل‬      ‫إضافة أو تجديد ما يزيد عن‬
‫أوردها مع التأكيد على احترام كل‬                                                                                                                                ‫هذا العمق التاريخي والتوحيد‬         ‫الألف عام‪ ،‬مخافة ضياع دين‬
               ‫أطرافها ورواتها‪.‬‬
                                                                                                                                                                  ‫المتأصل‪ ،‬والأديان المتتالية‪،‬‬        ‫الناس‪ ،‬أو كما قال فضيلته‬
     ‫«لما توفي علي رضي الله عنه‬                                                                                                                                     ‫ومدارس اللاهوت والفلك‬          ‫(ضعفت همم الفقهاء واتهموا‬
   ‫وصلى عليه ابنه الحسن رضي‬                                                                                                                                 ‫والفلسفة والعلوم‪ ،‬والأثر الواضح‬        ‫أنفسهم بالتقصير والعجز عن‬
   ‫الله عنه بايعه الناس بالخلافة‪،‬‬                                                                                                                               ‫للعيان‪ ،‬تجر هكذا إلى مجزرة‬       ‫اللحوق بالمجتهدين السابقين مع‬
    ‫ثم ألحوا عليه في النفير لقتال‬                                                                                                                                 ‫اللاوعى‪ ،‬تنهي تاريخه بكل‬       ‫رسوخهم في الفقه وتهيؤ أسبابه‬
  ‫أهل الشام‪ ،‬ولم يكن من نيته أن‬                                                                                                                              ‫بساطة في سبيل فقه وتدين نحن‬         ‫لديهم ووجود مادته بين أيديهم‬
‫يقاتل أح ًدا‪ ،‬ولكن غلبوه على رأيه‪،‬‬                                                                                                                              ‫أهله من قديم‪ ،‬مع كل التقدير‬
‫فاجتمعوا اجتما ًعا عظي ًما لم يسمع‬                                                                                                                          ‫لمجتهد أو مدون حاول فأصاب أو‬                    ‫من سنة ونحوها)؟!‬
   ‫بمثله‪ ،‬وسار بالجيوش قاص ًدا‬                                                                                                                                                                        ‫إن النظرة المتأنية إلى تراثنا‬
 ‫بلاد الشام‪ ،‬ثم حصل في الجيش‬                                                                                                                                              ‫أخطأ‪ ،‬فكل له أجر‪.‬‬         ‫الثقافي العربي على اعتبار أنه‬
 ‫فتنة واختلاف وتفرق‪ ،‬فلما رأى‬                                                                                                                                    ‫والحديث عن الدين والثقافة‬      ‫مكون أساس من مكونات الثقافة‬
 ‫الحسن بن علي تفرق جيشه عليه‬                                                                                                                                      ‫ليس سه ًل ميس ًرا‪ ،‬ومحاط‬        ‫المصرية الجامعة‪ ،‬ومنه الثقافة‬
‫مقتهم‪ ،‬وكتب عند ذلك إلى معاوية‬                                                                                                                                   ‫دائ ًما بالشك والريبة‪ ،‬وربما‬        ‫الإسلامية والتدين على وجه‬
  ‫بن أبي سفيان رضي الله عنهما‬                                                                                                                                   ‫الاتهام بالردة والإلحاد يصل‬     ‫الخصوص‪ ،‬نجدها قد عجزت عن‬
‫يراوضه على الصلح بينهما‪ ،‬فبعث‬                                                                                                                                   ‫إلى التكفير المرضي عنه‪ ،‬لذلك‬     ‫اللحاق بركب التحديث والتجديد‬
                                                                                                                                                               ‫أعود وأكرر لكل ذي عقل‪ ،‬أننا‬      ‫ووقفت دون مراجعة عند زمانها‬
    ‫إليه معاوية عبد الله بن عامر‬                                                                                                                             ‫نتحدث عن الثقافة بشكل خاص‪،‬‬            ‫الأول‪ ،‬ناهيك عن إغلاقها باب‬
    ‫وعبد الرحمن بن سمرة‪ ،‬وتم‬                                                                                                                                 ‫والتدين جزء أصيل من مكوناتها‬        ‫المعرفة بتاريخنا الثقافي والمعرفي‬
  ‫الصلح‪ ،‬وبايع لمعاوية بالخلافة‪،‬‬                                                                                                                                 ‫وليس الدين‪ ،‬فالدين له أهله‬          ‫المصري بفرض وعي مغاير‬
  ‫وتنازل له عنها‪ ،‬وكان ذلك سنة‬                                                                                                                              ‫القادرين على ولوج دروبه الوعرة‬      ‫يؤصل للجذر العربي دون النظر‬
‫أربعين من الهجرة‪ ،‬ولهذا يقال له‬                                                                                                                             ‫ومسالكه‪ ،‬والثقافة ك ٌّل كما أوردنا‬      ‫إلى اختلاف المكون والموروث‬
 ‫عام الجماعة؛ لاجتماع الكلمة فيه‬                                                                                                                                  ‫من قبل‪ ،‬ومن حقنا مناقشة‬              ‫المصري الحى‪ ،‬الأمر الذي‬
                                                                                                                                                                  ‫تراتبية هذا الكل ومدركاته‬      ‫يستحق معه التأمل والإجابة عن‬
                    ‫على معاوية‪.‬‬                                                                                                                             ‫وتوابعه والاختلاف فيه‪ ،‬فإذا كان‬
  ‫وقد مدحه رسول الله صلى الله‬                                                                                                                                 ‫مدركنا قد توقف عند إدراك من‬                 ‫سؤالنا الراهن‪ ..‬لماذا؟!‬
 ‫عليه وسلم على صنيعه هذا وهو‬                                                                                                                                   ‫سبقنا بألف سنة أو يزيد‪ ،‬فقل‬       ‫هذا أو ًل‪ ..‬أما عن ثانيًا‪ ،‬فالمسألة‬
                                                                                                                                                              ‫وأنت مطمئن‪ :‬المتاحف بنا أولى!‬      ‫تحتاج أي ًضا لاجتهاد واع منتظر‬
     ‫تركه الإمارة وطلبها‪ ،‬وحقنه‬                                                                                                                             ‫تحضرني في هذا السياق نتف من‬
   ‫لدماء المسلمين‪ ،‬رغبة فيما عند‬                                                                                                                            ‫التاريخ‪ ،‬أوردها هنا فقط للوقوف‬          ‫فيما ننقله أو نقلده من تراث‪،‬‬
    ‫الله؛ فنزل عن الخلافة وجعل‬                                                                                                                                ‫على جذر معرفي لنموذج تأويلى‪،‬‬          ‫ولن أخوض فيما ليس لي ولا‬
    ‫المُلك بيد معاوية حتى تجتمع‬                                                                                                                               ‫لا علاقة له بالتدين قدر علاقته‬    ‫أبتغي غير الفهم والتفكير بصوت‬
                                                                                                                                                            ‫بالسياسة وألاعيب الحكم‪ ،‬بما في‬        ‫مسموع‪ ،‬ليس فيه ادعاء معرفة‬
      ‫الكلمة على أمير واحد‪ .‬روى‬                                                                                                                                ‫ذلك من لي لعنق النص وخدمة‬             ‫أو إمساك بحقيقة‪ ،‬فالحديث‬
 ‫اَْبقلعاَلُبن ْيل ِهخ‪:‬اعلَ«روي َر ََأإيسْيلَلّ(ىَُمت‪َ َ 4‬جعر‪ْ0‬نل ُبِى‪7‬سِها‪2،‬وْلِ)َ ْنَلوَباُعِهرلََّنولَِوأاُيبْلْقَ َبِيصح َُلّ ََبلس ْكعاُنَلرلََّىة ُل‬   ‫غرض وقتي عارض زائل‪ ،‬يتخذ‬           ‫الثقافي يجب أن يكون ‪-‬من وجهة‬
  ‫ال َنّا ِس َم َّر ًة َو َع َل ْي ِه أُ ْخ َرى َو َي ُقو ُل‪:‬‬                                                                                                                                   ‫نظري‪ -‬متس ًعا للاختلاف والرد‪،‬‬
                                                                                                                                                                                                ‫ومن الجائز فيه الخطأ والصواب‪.‬‬
   130   131   132   133   134   135   136   137   138   139   140