Page 131 - ميريت الثقافية- العدد رقم 22 أكتوبر 2020
P. 131

‫‪129‬‬  ‫تجديد الخطاب‬

‫قد حصن ألمانيا ضد أفكار الثورة‬       ‫ملجأها في قبيلة صغيرة لم‬                     ‫فكان هناك تراث عريق من الفكر‬
      ‫الفرنسية‪ ..‬أما الإنجليز فقد‬                                                 ‫التنويري الذي لم يحتجب بشكل‬
                                     ‫تكتشـف بعد‪ ..‬وقد خيضت‬                       ‫كامل وإن اتخذ في بعض الأوقات‬
  ‫وقفوا –كعادتهم‪ -‬متحفظين إلى‬                                                      ‫أشـكا ًل غريبة لا يمكن التعرف‬
 ‫حد ما في مواجهة هذه الخلافات‬        ‫الحرب العالمية الأولى تحت‬                   ‫عليها‪ ،‬فقد أدان نيتشه أبناء وطنه‬
‫الأوروبية وحاول جون ستيوارت‬                                                        ‫بسبب البنية الثقافية الفوضوية‬
                                     ‫شعارين متضادين هما الحضارة‬                   ‫التي أفسدها الاقتباس ومسايرة‬
   ‫ميل أن يقارب ما بين التيارين‬
   ‫الفكريين الفرنسي والألماني في‬     ‫الغربية والثقافة الألمانية‪.‬‬                      ‫الموضة وقارنها منتق ًصا من‬
                                                                                 ‫شأنها بالثقافة الفرنسية المتكاملة‪،‬‬
     ‫مقالاته الشهيرة حول بيتنام‬      ‫إن هذين التيارين الفكريين قد‬
  ‫وكولريدج‪ ،‬إلا أنه كان للإنجليز‬                                                   ‫وبالتالي ساواها ذلك بالحضارة‬
                                     ‫رمز كل منهما إلى قيم مطلقة‪،‬‬                   ‫ذاتها‪ ،‬وفضل نيتشه الحضارة‪،‬‬
    ‫مشاغلهم الخاصة‪ ،‬ففي أثناء‬                                                     ‫أي بعبارة أخرى فرنسا «موطن‬
     ‫التحول الذي شهدته إنجلترا‬       ‫والتي انتشرت في القرن الثامن‬                ‫أكثر الثقافات الأوروبية روحانية‬
    ‫خلال الثورة الصناعية‪ ،‬أدرك‬                                                    ‫وتطو ًرا»‪ ،‬ومن جانب آخر يمكن‬
     ‫المفكرون وجود أزمة روحية‬        ‫عشر بسبب فقدان تأثير الدين‬
   ‫تتمثل بصراع محدد وملموس‬                                                            ‫أن يطلق منشق فرنسي مثل‬
   ‫بين ما أطلق عليه شيلي صراع‬        ‫على العديد من المفكرين‪ ،‬وقدموا‬                            ‫بودلير على فرنسا‬
    ‫الشعر والثروة‪ ،‬وتمثل العدو‬                                       ‫بدي ًل عنه‬                        ‫أنها‪« :‬بلد‬
    ‫بتكنولوجيا الحضارة الحديثة‬       ‫وضعيًّا للقيم‬  ‫لمكفنهوك ًًّمال‬  ‫والمعانى‪،‬‬                     ‫همجي بحق»‪،‬‬
    ‫ومذهبها المادي‪ ،‬وفي مواجهة‬          ‫من هذين‬                                                     ‫ويفترض أن‬
 ‫ذلك نقب المفكرون الليبراليون في‬                                                                       ‫الحضارة‬
 ‫القيم الثقافية السرمدية‪ ،‬المستقاه‬   ‫التيارين كان يستقي توجهه من‬                                         ‫ربما قد‬
 ‫من التراث العريق للفن والفلسفة‬                                                                          ‫وجدت‬
‫الأوروبيين‪ ،‬إذ ع َّرف ماثيو أرنولد‬   ‫مرجعية مسيحية بعينها «ففكرة‬
 ‫الثقافة على أنها «أفضل ما ُعرف‬
‫وما قيل»‪ ،‬فهي الشـريعة الكونية‬       ‫الحضارة تستدعي الادعاء الكوني‬
  ‫الثابتة‪ ،‬وباكتسابنا للثقافة فإننا‬
‫نتعرف إلى تاريخ الروح الإنسانية‬      ‫للكنيسة الكاثوليكية‬
 ‫كما يميز امتلاك الثقافة الصفوة‬
                                     ‫فابتدع كل من‬
         ‫عن البرابرة الأميين»‪)11(.‬‬
        ‫هذا عن أوروبا اختصا ًرا‪،‬‬     ‫كانط وسانت‬
   ‫وعن تضارب المفاهيم والرؤي‬
    ‫ومصادرها التي انطلقت منها‬        ‫سيمون‬
 ‫التعريفات والتوصيفات للثقافة‪..‬‬
     ‫هي تعريفات في أصلها ديني‬        ‫فلسفة دينية‬
    ‫وصراع سياسي أيديولوجي‬
  ‫في المقام الأول‪ ..‬ثم نأتي بعدها‬    ‫وضعية‪،‬‬
      ‫إلى توصيف الثقافة العربية‬
   ‫من منظور عربى‪ ،‬ولنا العجب‪.‬‬        ‫مستعيرين‬
     ‫«وصفت الثقافة العربية كما‬
  ‫أورد عبد السلام المسدى‪ ،‬بأنها‬      ‫الطقوس‬

                                     ‫الكاثوليكية‬

                                     ‫وتمثلت العقيدة‬

                                     ‫الأساسية في هذا‬

                                     ‫الدين في التقدم الذي‬

                                     ‫يرمز إلى علمانية‬

                                     ‫هذا الخلاص العالمي‪..‬‬

                                     ‫أما التعبيران الألمانيان‪:‬‬

                                     ‫البنية الثقافية ‪Bildung‬‬

                                     ‫والثقافة ‪ Kultur‬اللذان كانا‬

                                     ‫يستخدمان في العادة بدلالة‬

                                     ‫روحانية والمرتبطان باحتياجات‬

                                     ‫الروح المنفردة وبتفضيل الفضائل‬

                                     ‫الداخلية على المظاهر والمتخوفة‬

                                     ‫من التقدم العلماني‪ ،‬هما بدورهما‬

                                     ‫متأثران بأفكار حركة الإصلاح‪،‬‬

                                     ‫فاقترح توماس مان أن الإصلاح‬
   126   127   128   129   130   131   132   133   134   135   136