Page 132 - ميريت الثقافية- العدد رقم 22 أكتوبر 2020
P. 132
العـدد ١٩ 130
يوليو ٢٠٢٠
لوضعه أو ضعفه الشديد .فكان يقول د.على جمعة« :مر التشريع ثقافة إنسانية أصيلة ،شاملة
في ذلك تسهيل لعمل الفقهاء الإسلامي في تاريخه بمراحل لمظاهر المادة والروح ،ذات عراقة
عدة ،إلا أن أهم مرحلتين في تاريخية ،تتميز بقيم فكرية عالية
وتوفير الجهد عليهم .فقد وجدوا تاريخه هما مرحلة الاجتهاد،
السنة بين أيديهم يصلون إليها وقيم الحق والعدل والمساواة
ومرحلة التقليد .حيث إنهما م ًعا واحترام المعرفة ،ثقافة تتمثل
دون كثير عناء ،والسنة هي مادة شكلتا ما نعيشه من أزمة فكرية الثقافات الأخرى دون إذابة أو
الفقه ومصدرها الثاني ،وفي هذه تتعلق بالفقه في عصرنا الحاضر، ذوبان ،تنفرد بجهاز لغوي ليس
المرحلة أي ًضا دون الفقه وضبطت له مثيل في السعة والمرونة ،ولسنا
متمثلة في امتلاك تراث عظيم وحدنا الذين نزعم بتفرد ثقافتنا،
قواعده وجمعت أشتاته ،وألفت مليء بالكنوز ،تم تكوينه ورعايته فمعظم شعوب العالم شديدة
الكتب في مسائله ،وصار بناؤه في عصر الاجتهاد ،ووجود هوة الاعتزاز بثقافتها ،تسمو فوق كل
شام ًخا ،وعلمه متمي ًزا عن غيره ثقافة أخرى ،حتى رأى البعض في
عميقة تفصل بيننا وبين هذا هذه النزعة الشـوفينية شـر ًطا
قائ ًما بنفسه. التراث والتي تم تكوينها عبر ضرور ًّيا لتكوين الهوية فردية
ومن منتصف القرن الرابع بدأ العصور ،إلا أن هذا لا يعني أن
عصر التقليد ،وهو العصر الذي عصر التقليد خال من الإيجابيات، كانت أو جمعية»!()12
فله مميزاته إلا أنها ضاعت في يا سيدي حنانيك أعزك الله .إذا ما
شهد ركود الفقه .فقد جنح تحدثنا عن الأدبيات الحاكمة بغير
الفقهاء إلى التقليد مع أن الأصل نسيج الزمن.
وبتتبع عصر الاجتهاد ،نجده يبدأ نقض أو نقد ،فليس هو مطلبنا
في الفقيه أن يكون مجته ًدا ومبتغانا فيما نحن بصدده،
مستق ًّل ،لا يتقيد بمذهب معين في أوائل القرن الثاني الهجري
بعد انتهاء عصر الصحابة ولسنا أهله على أية حال .نحن
وإنما يتقيد بنصوص الكتاب نتحدث عن البنية الثقافية وما
والسنة وما يؤديه إليه اجتهاده التابعين الذي لم يشهد أي تدوين يليها من فهم ووعي بالتشكيل
واسع للسنة أو الفقه إلا محاولات الثقافي -كل الأدبيات -فحدث
المقبول. ولا حرج! نعم ،الثقافة عنصرية
فهو يستنبط الأحكام الشرعية قليلة ،ويمتد هذا العصر إلى الطابع شيفونية المقصد والمنهج
من مصدريها العظيمين الكتاب منتصف القرن الرابع ،وفي هذا والاستمساك ،لكنها -أي ًضا -ذات
والسنة ،وما يرشدان إليه من الدور نما الفقه وازدهر ،وكثرت سعة معرفية وقبول وتحرك داعم
مصادر أخرى .إلا أنه في هذا مسائله على نحو لم يعهد مثله ومحرض ومؤازر لبناء الحضارة
من قبل ،وهذه الظاهرة ترجع إلى الإنسانية ورقيها ،فهلا قبلت أنت،
الوقت ضعفت همم الفقهاء
واتهموا أنفسهم بالتقصير أسباب كثيرة نذكر منها: أو قبلوا؟!
والعجز عن اللحوق بالمجتهدين أولا :اتساع البلاد الإسلامية. لماذا نتوهم نحن صرا ًعا بين
السابقين مع رسوخهم في الفقه فقد كانت تمتد من الأندلس إلى غرب وشرق؟ نقف له على أطراف
وتهيؤ أسبابه لديهم ،ووجود الصين ،وفي هذه البلاد الواسعة أصابعنا ونتصنع بهمة واقتدار
مادته بين أيديهم من سنة مناطق الاختلاف .نلوي رقاب
ونحوها ،مما يساعد على الوصول عادات وتقاليد مختلفة تجب العالم من حولنا لاتباع ما ليس
إليه بيسر وسهولة ،وكان ذلك مراعاتها ،ما دامت لا تخالف مفتر ًضا أو جب ًرا أن يتبعوه،
من أسباب شيوع التقليد بين نصوص الشريعة ،فاختلفت ونقدم بضاعتنا كمروج خائب في
الفقهاء إلا القليل النادر ،ونستطيع الاجتهادات المبنية على الأعراف سوق القديم والمستعمل وهو يعلم
أن نلخص أسباب ذلك في هذه بوارها .ونحن بإصلاحها أولى!
بناء على اختلاف العادات
المرحلة فيما يلى: والتقاليد.
أو ًل :أن المذاهب الإسلامية دونت
تدوينًا كام ًل مع تهذيب مسائلها، ثانيًا :تدوين السنة .فقد دونت
السنة وعرف ما المقبول فيها من
وتبويب مسائلها الواقعية ،مما حيث الرواية والدراية وما المردود